﴿يوفيهم الله الحق دينهم﴾ قال النحاس: وهذا الكلام من أبي عبيدة غير مرضي؛ لأنه احتج بما هو مخالف للسواد إلأعظم، ولا حجة فيه أيضًا؛ لأنه لو صح أنه مصحف أبي كذلك جاز أن يكون دينهم بدلًا من الحق.
قال الزمخشري: فإن قلت: ما معنى قوله: ﴿هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ﴾؟ قلت: معناه: ذو الحق المبين، العادل الذي لا ظلم في حكمه، والمحق الذي لا يوصف بباطل، ومن هذه صفته لم تسقط عنده إساءة مسيء، ولا إحسان محسن. فحق مثله أن يتقى ويجتنب محارمه. انتهى.
وفي الآية أمور (١):
منها: بيان جواز اللعنة على من كان من أهلها. قال الإِمام الغزالي رحمه الله تعالى: الصفات المقتضية للعن ثلاث: الكفر، والبدعة، والفسق. وله في كل واحدة، ثلاث مراتب:
الأولى: اللعن بالوصف الأعم، كقولك: لعنة الله على الكافرين، أو المبتدعة، أو الفسقة.
والثانية: اللعن بأوصاف أخص منه، كقولك: لعنة الله على اليهود والنصارى، أو على القدرية والخوارج والروافض، أو على الزناة، والظلمة وآكل الربا. وكل ذلك جائز، ولكن في لعن بعض أصناف المبتدعة خطر؛ لأن معرفة البدعة غامضة، فما لم يرد فيه لفظ مأثور ينبغي أن يمنع منه العوام؛ لأن ذلك يستدعي المعارضة بمثله، ويثير نزاعًا وفسادًا بين الناس.
والثالثة: اللعن علي الشخص، فينظر فيه، إن كان ممن ثبت كفره شرعًا، فيجوز لعنه إن لم يكن فيه أذى على مسلم، كقولك: لعنة الله على النمرود وفرعون وأبي جهل؛ لأنه ثبت أن هؤلاء ماتوا على الكفر، وعرف ذلك شرعًا. ان كان ممن لم يثبت حال خاتمته بعد، كقولك: زيد لعنه الله، وهو يهودي أو

(١) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon