وإرادته التفضيل عليهم، من كانت لأجل أو يَتبين فضله حتى ينقادوا، فلا ضير في ذلك، بل هو واجب، وإن أرادوا أنه يبغي التجبر عليهم فالأنبياء منزهون عز ذلك، وقولهم: ﴿مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ﴾ اعتناق للتقليد، وهو لا يصلح حجة تدفع بها يحيى المعارضين الواضحة، وضوح الشمس في رائعة النهار، وقولهم: ﴿بِهِ جِنَّةٌ﴾ كذب صراح؛ لأنهم يعلمون ذكاءه وعظيم فطنته، وما أوتيه أو أصالة الرأي وثاقب الفكر.
٢٦ - ولما استبان لنوح إصرارهم على ضلالتهم، وتماديهم في غيهم، وبأسه أو إيمانهم، وأوحي إليه أنه لن يؤمن أو قومك، إلا أو قد آمن.. طلب إلى ربه أو ينصره عليهم، و ﴿قَالَ﴾ نوح يا رب ﴿رَبِّ انْصُرْنِي﴾ عليهم فانتقم منهم بما تشاء، وكيف تريد، والباء في قوله: ﴿بِمَا كَذَّبُونِ﴾؛ في: بسبب تكذيبهم إياي؛ في: رب انصرني بإنجاز ما أوعدتهم به أو العذاب، بقولي: إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم، وقال الزمخشري (١): في بدل (ما كذبون) على أو الباء للبدل، كما تقول: هذا بذاك؛ في: بدل ذاك ومكانه.
والمعنى: أبدلني من غم تكذيبهم سلوة النصر عليهم. وقرأ أبي جعفر وابن محيصن ﴿قَالَ رَبِّ﴾ بضم الباء.
٢٧ - وقد أجاب الله سبحانه دعاءه فقال: ﴿فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ﴾ عند ذلك؛ في: فأعلمناه في خفاء فإن الإيحاء والوحي، إعلام في خفاء ﴿أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ﴾ واعملها، (أن) مفسّرة لما في الوحي أو معنى القول، والصنع إجادة الفعل؛ أي: فقلنا له، بين استنصرنا على كفرة قومه، بواسطة جبريل: اصنع السفينة، واعملها حالة كونك متلبسًا ﴿بِأَعْيُنِنَا﴾ وحفظنا ورعايتنا، نحفظك من أن تخطىء في صنعته، أيُّ يفسده عليك مفسد، يقال: فلان بعيني؛ في: أحفظه وأراعيه، كقولك: هو منى بمرأى ومسمع ﴿وَ﴾ ملتبسًا بـ ﴿وَحْيِنَا﴾؛ في: بأمرنا وتعليمنا إياك، كيفية صنعها، فإن الله أرسل إليه جبريل، فعلمه صنعتها وصنعها في عامين، وجعل طولها ثمانين ذراعًا وعرضها خمسين، وارتفاعها ثلاثين ذراعًا، والذراع

(١) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon