ووضعهم فيها مقرنين في الأصفاد، ونداؤهم إذ ذاك بقولهم يا ثبوراه. ثم أتبع ذلك بما يؤكد حسرتهم وندامتهم، بوصف ما يلقاه المتقون في جنات النعيم. مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وأن هذا ما وعدهم به ربهم الذي لا خلف لوعده.
قوله تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه، لما ذكر ما أعد لأولئك المكذبين بيوم القيامة، من الشدائد والأهوال في النار، ودعائهم على أنفسهم، بالويل والثبور.. أردفه ذكر أحوالهم مع معبوداتهم من دون الله، وتوبيخهم على عبادة من عبدوا من الملائكة وغيرهم. ثم ذكر أن معبوداتهم تكذبهم فيما نسبوه إليهم، ثم بين أن العابدين لا يستطيعون دفعًا عن أنفسهم، ولا يجدون من يستنصروه به.
قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ...﴾ الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله (١) سبحانه، لما ذكر مقالتهم التي طعنوا فيها على رسوله بقولهم: ﴿مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ﴾ زاعمين أن هذا مما لا ينبغي للرسول أن يفعل مثله، أردف ذلك بالاحتجاج عليهم، بأن محمدًا ليس بدعًا في الرسل، فكلهم كانوا يفعلون فعله. وفي هذا تسلية للرسول - ﷺ -، وتصبير له على أذاهم. ثم بين أن سنته، أن يبتلي بعض الناس ببعض، فيبتلي الفقراء بالأغنياء، والمرسلين بالمرسل إليهم، فيناصبوهم العداء، ويؤذوهم ليعلم أيهم يصبر، وأيهم يجزع، وهو البصير بحال الصابرين، وحال الجازعين.
أسباب النزول
قوله تعالى: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ...﴾ الآية، سبب نزول هذه الآية: ما أخرجه (٢) ابن أبي شيبة في المصنف، وابن جرير وابن أبي حاتم عن خثيمة قال: قيل للنبي - ﷺ -: إن شئت أعطيناك مفاتيح الأرض وخزائنها، لا ينقصك ذلك عندنا شيئًا في الآخرة، وإن شئت جمعتهما لك في الآخرة.

(١) المراغي.
(٢) لباب النقول.


الصفحة التالية
Icon