والخلاصة: أن كل شيء مما سواه مخلوق مربوب، وهو خالق كل شيء وربه، ومليكه وإلهه. وكل شيء تحت قهره وتسخيره وتقديره. ومن كان كذلك، فكيف يخطر بالبال، أو يدور في الخلد كونه سبحانه والدًا له، أو شريكًا له في ملكه، كما قال: ﴿بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ...﴾ الآية.
وفي "فتح الرحمن" إن قلت: الخلق (١) هو التقدير. ومنه قوله تعالى: ﴿وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ﴾ فكيف جمع بينهما؟
قلت: الخلق من الله هو إيجاد، فصح الجمع بينه وبين التقدير.. ولو سلم أنه التقدير، لساغ الجمع بينهما لاختلافهما لفظًا. كما في قوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ﴾ انتهى.
٣ - ثم صرح سبحانه بتزييف مذاهب عبدة الأوثان. فقال: ﴿وَاتَّخَذُوا﴾؛ أي: واتخذ المنذرون من كفار مكة كأبي جهل وأصحابه؛ أي: واتخذوا لأنفسهم وجعلوا لها ﴿مِنْ دُونِهِ﴾ تعالى ﴿آلِهَةً﴾؛ أي: معبودات يعبدونها من دونه تعالى؛ أي: جعلوا لأنفسهم متجاوزين الله آلهة. ﴿لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا﴾؛ أي: لا يقدرون على خلق شيء من الأشياء أصلًا. والجملة في محل نصب صفة لآلهة، وغلب العقلاء على غيرهم؛ لأن في معبودات الكفار الملائكة وعزير والمسيح.
﴿وَهُمْ يُخْلَقُونَ﴾؛ أي: والحال أنهم مخلوقون لله سبحانه وتعالى، فكيف تُتخذ آلهة؟ وقيل: عبر عن الآلهة بضمير العقلاء، جريًا على اعتقاد الكفار، أنها تضر وتنفع. وقيل معنى: ﴿وَهُمْ يُخْلَقُونَ﴾ أن عبدتهم يصورونهم. وقال (٢) هنا: ﴿مِنْ دُونِهِ﴾ بالضمير، وفي مريم ويس ﴿مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ بلفظ الجلالة. حيث قال في مريم: ﴿وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا (٨١)﴾ وفي يس: ﴿وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ (٧٤)﴾ موافقة لما قبله في المواضع الثلاثة.
ثم لما وصف الله سبحانه نفسه بالقدرة الباهرة.. وصف آلهة المشركين بالعجز البالغ. فقال: ﴿وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ﴾؛ أي: لا يستطيعون ﴿ضَرًّا﴾؛

(١) فتح الرحمن.
(٢) فتح الرحمن.


الصفحة التالية
Icon