وقرأ الجمهور: ﴿اكْتَتَبَهَا﴾ مبنيًا للفاعل. وقرأ ابن مسعود (١) وإبراهيم النخعي وطلحة بن مصرف ﴿اكْتَتَبَهَا﴾ بضم التاء الأولى وكسر الثانية، مبنيًا للمفعول، والابتداء على قراءتهم بضم الهمزة.
والمعنى (٢): اكتتبها له كاتب؛ لأنه كان أميًا لا يكتب. ثم حذفت اللام، فأفضي الفعل إلى الضمير، فصار اكتتبها إياه، ثم بني الفعل للضمير الذي هو إياه، فانقلب مرفوعًا مستترًا، بعد أن كان منصوبًا بارزًا، كذا قال في "الكشاف". واعترضه أبو حيان. وقرأ (٣) طلحة وعيسى ﴿فهي تتلى﴾ بالتاء بدل الميم.
والمعنى: أي (٤) وقال المشركون: الذين قالوا إن هذا إلا إفك مفترى؛ أي: ما هذا الذي يقرأه محمد - ﷺ - إلا أحاديث الأولين، الذين كانوا يسطرونها في كتبهم، اكتتبها من اليهود، فهي تستنسخ منهم، وتقرأ عليه ليحفظها غدوةً وعشيًا؛ أي: قبل انتشار الناس، وحين يأتون إلى مساكنهم. وقد عنوا بذلك، أنها تملى عليه خفية لئلا يقف الناس على حقيقة الحال، وهذه جرأة عظيمة منهم ﴿قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾. وقد يكون مرادهم أنها تملى عليه دائمًا.
٦ - ثم أمره الله سبحانه وتعالى، بإجابتهم عمّا قالوا بقوله: ﴿قُلْ﴾ لهم يا محمد - ردًا وتحقيقًا للحق -، ليس ذلك مما يفترى ويفتعل بإعانة قوم وكتابة آخرين من الأحاديث الملفقة وأخبار الأولين، بل هو أمر سماوي. ﴿أَنْزَلَهُ﴾ الإله ﴿الَّذِي يَعْلَمُ السِّرّ﴾ والغيب ﴿فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ لا يعزب عن علمه شيء وأودع فيه فنون الحكم والأسرار على وجه بديع، لا تحوم حوله الأفكار، ومن ثم أعجزكم بفصاحته وبلاغته. كما أخبركم فيه بمغيبات مستقبلة وأمور مكنونة، لا يعلمها إلا عالم الأسرار ولا يوقف عليها إلا بتوفيق العليم الخبير، فكيف تجعلونه أساطير الأولين؟
وخص السر (٥) إشارة إلى انطواء ما أنزله سبحانه على أسرار بديعة، لا تبلغ
(٢) الشوكاني.
(٣) البحر المحيط.
(٤) المراغي.
(٥) الشوكاني.