إليها عقول البشر. والسر الغيب؛ أي: يعلم الغيب الكائن فيهما. وجملة قوله: ﴿إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾. تعليل لتأخير العقوبة؛ أي: إنكم وإن كنتم مستحقين لتعجيل العقوبة بما تفعلونه من الكذب على رسوله، والظلم له، فإنه لا يعجلها عليكم بذلك؛ لأنه كثير المغفرة والرحمة؛ أي (١): إنه تعالى أزلًا وأبدًا مستمر على المغفرة والرحمة، فلذلك لا يعجل على عقوبتكم على ما تقولون مع كمال قدرته عليها، واستحقاقكم أن يصب عليكم العذاب صبًا. وفيه إشارة إلى أهل الضلالة من الذين نسبوا القرآن إلى الإفك، لو رجعوا عن قولهم وتابوا إلى الله، يكون غفورًا لهم رحيمًا بهم، كما قال تعالى: ﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ﴾.
واعلم: أن الله تعالى أنزل القرآن على وفق الحكمة الأزلية في رعاية مصالح الخلق؛ ليهتدي به أهل السعادة، وليضِلَّ به أهل الشقاوة، وينسبوه إلى الإفك، كما قال تعالى: ﴿وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ﴾ والقرآن لا يدرك إلا بنور الإيمان. والكفر ظلمة. وبالظلمة لا يرى إلا الظلمة، فبظلمة الكفر؛ أي: الكفار القرآن النوراني القديم كلامًا مخلوقًا ظلمانيًا من جنس كلام البشر، فكذلك أهل البدعة.. لما رأوا القرآن بظلمة البدعة، رأوا كلامًا مخلوقًا ظلمانيًا بظلمة الحدوث، وظلموا أنفسهم بوضع القرآن في غير موضعه من كلام البشر. وفي الحديث: "القرآن كلام الله تعالى غير مخلوق، فمن قال بكونه مخلوقًا فقد كفر بالذي أنزله". نسأل الله العصمة والحفظ من الإلحاد وسوء الاعتقاد.
٧ - ولما فرغ سبحانه من ذكر ما طعنوا به على القرآن.. ذكر ما طعنوا به على رسول الله - ﷺ -، وذكر هنا أن المشركين ذكروا خمس صفات للنبي - ﷺ -، تمنع النبوة في زعمهم. ﴿وَقَالُوا﴾؛ أي: وقال المشركون من أشراف قريش، كأبي جهل وعتبة وأمية وعاص وأمثالهم. وذلك حين اجتماعهم عند ظهر الكعبة. ﴿ما﴾ استفهامية، بمعنى إنكار الوقوع ونفيه، في محل الرفع على الابتداء خبرها قوله: ﴿لهَذَا الرَّسُولِ﴾ وجدت اللام مفصولة عن الهاء في المصحف، واتباعه سنة.

(١) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon