بصفات في شؤون الدنيا.. حكى عنهم ثانيًا: أنهم نفوا عنه العقل بتاتًا، وادعوا أنه مختل الشعور والإدراك، وإلى هذا أشار بقوله: ﴿وَقَالَ الظَّالِمُونَ﴾؛ أي: وقال الذين ظلموا أنفسهم، بنسبتهم إلى الرسول - ﷺ - ما هو منه برىء، وهم القائلون بالمقالات السابقة. وإنما وضع (١) الظاهر موضع المضمر تسجيلًا عليهم بوصف الظلم، وتجاوز الحد فيما قالوا، لكونه إضلالًا خارجًا عن حد الضلال؛ أي: قالوا للمؤمنين ﴿إِنْ تَتَّبِعُونَ﴾؛ أي: ما تتبعون أيها المؤمنون به ﴿إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا﴾؛ أي: مختل النظر والعقل؛ أي: إلا رجلًا مغلوبًا على عقله بالسحر؛ أي: قد سحر فغلب على عقله، حتى يزول عنه.
قال بعض أهل الحقائق: كانوا يرون قبح حالهم في مرآة النبوة، وهم بحسبون أنه حال النبي عليه السلام. وقيل: ذا سُحْرُ، وهي الرئة؛ أي: بشرًا له رئة لا ملكًا، والمعنى: أي: ما تتبعون إلا رجلًا سُحِرَ فاختل عقله، فهو لا يعني ما يقول، ومثله لا يطاع له رأي. وهذا منهم ترق في انتقاصه، وأنه لا يصلح للنبوة بحال.
٩ - ولما ذكر ضلالاتهم.. التفت إلى رسوله - ﷺ - مسليًا له بقوله: ﴿انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ﴾؛ أي: أنظر واعجب لهم يا محمد، كيف ضربوا لك، وقالوا فيك تلك الأمثال الفاسدة، والأقاويل العجيبة، الخارجة عن العقول الجارية لغرابتها مجرى الأمثال، واخترعوا لك تلك الأحوال الشاذة البعيدة عن الوقوع، ليتوصلوا بها إلى تكذيبك. وذلك من جهلهم بحالك، وغفلتهم عن جمالك.
والأمثال: هي الأقوال النادرة والاقتراحات الغريبة، وهي ما ذكروه هنا ﴿فَضَلُّوا﴾ بسببها عن الحق، ضلالًا بعيدًا، فلا يجدون طريقًا إليه، ولا وصلوا إلى شيء منه، بل جاؤوا بهذه المقالات الزائغة التي لا تصدر عن أدنى العقلاء، وأقلهم تمييزًا. ولهذا قال تعالى: ﴿فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا﴾ إلى الهدى ومخرجًا عن ضلالتهم. قال بعضهم: وقد أبطلوا الاستعداد بالاعتراض والإنكار على النبوة،

(١) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon