الإعراب، أن الشرط إذا كان ماضيًا جاز في جوابه الجزم والرفع، فجاز أن يكون ﴿جعل﴾ هنا في محل جزم ورفع. فيجوز فيما عطف عليه أن يجزم ويرفع. وقرأ عبيد الله بن موسى وطلحة بن سليمان ويجعل بالنصب على إضمار أن. وقال أبو الفتح: هي على جواب الشرط بالواو. وهي قراءة ضعيفة. انتهى.
وقرىء بإدغام لام ﴿يجعل﴾ في لام لك، لاجتماع المثلين. وقرىء بترك الإدغام، لأن الكلمتين منفصلتان.
والحاصل: أنه قرىء ﴿يجعل﴾ بالجزم والرفع والنصب. ونظير هذه القراءات الثلاث قول النابغة:
فَإِنْ يَهْلِكْ أَبُوْ قَابُوْسَ يَهْلِكْ | رَبِيْعُ النَّاسِ وَالشَّهْرُ الْحَرَامُ |
وَنَأْخُذُ بَعْدَهُ بِذِنَابِ عَيْشٍ | أَجَبِّ الظَّهْرِ لَيْسَ لَهُ سِنَامُ |
والمعنى: أي كثر (١) خير ربك، فإن شاء وهب لك في الدنيا خيرًا مما اقترحوا، فان أراد جعل لك في الدنيا مثل ما وعدك به في الآخرة، فأعطاك جنات تجري من تحتها الأنهار، وآتاك القصور الشامخة، والصياصي التي لا يصل إلى مثلها أكثرهم مالًا وأعزهم نفرًا، ولكن الله لم يشأ ذلك؛ لأنه أراد أن عطاءه لك في الدار الباقية الدائمة، لا في الدار الزائلة الفانية. وإنما كانت خيرًا مما ذكروا لكثرتها، وجريان الأنهار من تحت أشجارها، وبناء المساكن الرفيعة فيها، والعرب تسمي كل بيت مشيد قصرًا.
تنبيه: وفي قوله تعالى: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ...﴾ الآية. إشارة إلى أنه تعالى يعطي العباد على حسب المصالح، فيفتح على بعضهم أبواب المعارف والعلوم، ويسد عليه أبواب الدنيا. ويفتح على آخرين أبواب الرزق، ويحرمه لذة الفهم والعلم، ولا اعتراض عليه؛ لأنه فعال لما يريد.
(١) المراغي.