الدلالة على خلود عذابهم، وإقناطهم عن حصول ما يتمنونه من الهلاك، المنجي لهم مما هم فيه.
وقرأ ابن كثير وعبيد عن أبي عمرو (١): ﴿ضيقًا﴾. عن ابن عطية، وقرأ أبو شيبة صحاب معاذ بن جبل (مقرنون) بالواو، وهي قراءة شاذة. والوجه قراءة الجمهور ونسبها ابن خالويه إلى معاذ بن جبل، ووجهها أن يرتفع على البدل من ضمير ألقوا بدل نكرة من معرفة. وقرأ عاصم الجحدري وابن السميقع وعمرو بن محمد ﴿ثبورًا﴾، بفتح الثاء المثلثة في ثلاثتها. وفعول بفتح الفاء في المصادر قليل نحو البتول.
والمعنى: أي (٢) وإذا ألقوا منها، في مكان ضيق، قد قرنت أيديهم إلى أعناقهم في الأغلال والسلاسل.. استغاثوا، وقالوا: يا ثبوراه؛ أي: يا هلاكنا احضر فهذا وقتك. فيقال لهم: لا تنادوا هلاكًا واحدًا وادعوا هلاكًا كثيرًا؛ أي إنكم وقعتم فيما ليس ثبوركم واحدًا، إنما ثبوركم منه كثير، لأن العذاب ألوان وأنواع، ولكل منها ثبور لشدته وفظاعته.
وخلاصة ذلك: أن الله سبحانه، قد أعد لمن كذب بالساعة نارًا مستعرة، وإذا كانت منهم بمرأى الناظر في البعد.. سمعوا صوت غليانها، وإذا طرحوا في مكان ضيق، وهم مقرنون في السلاسل والأغلال.. تمنوا الهلاك ليسلموا مما هو أشد منه. كما قيل: أشد من الموت ما يتمنى منه الموت، فيقال لهم حينئذٍ: لا تدعوا هلاكًا واحدًا، فإنه لا يخلصكم، بل اطلبوا هلاكًا كثيرًا لتخلصوا به. والمقصد من ذلك تيئيسهم مما علقوا به أطماعهم من الهلاك. وتنبيه إلى أن عذابهم أبدي لا خلاص لهم منه.
وروى (٣) أنس بن مالك قال: قال رسول الله - ﷺ -: "أول من يكسى من أهل النار، يوم القيامة، إبليس، يكسى حلة من النار فيضعها على حاجبيه، ويسحبها
(٢) المراغي.
(٣) زاد المسير.