﴿كَانَتْ﴾ تلك الجنة الموصوفة ﴿لَهُمْ﴾؛ أي: للمتقين في علم الله تعالى، أو في اللوح المحفوظ. ﴿جَزَاءً﴾ وثوابًا على أعمالهم، بمقتضى الكرم لا بالاستحقاق ﴿وَمَصِيرًا﴾ يصيرون إليه، ومرجعًا يرجعون إليه. ومنقلبًا ينقلبون إليه.
فإن قلت (١): كيف قال: في وصف الجنة، كانت لهم جزاءً، بصيغة الماضي، مع أنها لم تكن حينئذٍ جزاءً ومصيرًا؟
قلت: إنما قال ذلك؛ لأن ما وعد الله به، فهو في تحققه كأنه قد كان، فلا بد من وقوعه، أو لأنه كان في اللوح المحفوظ أن الجنة جزاؤهم ومصيرهم.
والمعنى: قل يا محمد (٢) لهؤلاء المكذبين تهكمًا بهم، وتحسيرًا لهم على ما فاتهم، أهذه النار التي وصفت لكم خيرًا أو جنة الخلد التي يدوم نعيمها ولا يبيد وقد وعدها من اتقاه في الدنيا بطاعته فيما به أمره أو نهاه. ثم حقق أمرها تأكيدًا للبشارة بقوله: ﴿كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا﴾؛ أي: كانت تلك الجنة لهم جزاء أعمالهم في الدنيا بطاعته، وثوابًا لهم على تقواه، ومرجعًا لهم ينتقلون إليه في الآخرة.
١٦ - ثم وصف مقدار تنعمهم فيها بقوله: ﴿لَهُمْ﴾؛ أي: لأولئك المتقين ﴿فِيهَا﴾؛ أي: في جنة الخلد ﴿مَا يَشَاءُونَ﴾؛ أي: ما يشتهون من مآكل ومشارب وملابس ومساكن ومراكب ونحو ذلك، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
فإن قلت (٣): قد يشتهي الإنسان شيئًا، وهو لا يحصل في الجنة، كأن يشتهي الولد ونحوه، وليس هو في الجنة؟
قلت: إن الله سبحانه يزيل ذلك الخاطر عن أهل الجنة بل كل واحد من أهل الجنة مشتغل بما هو فيها من اللذات الشاغلة عن الالتفات إلى غيرها. أو المعنى: لهم (٤) فيها ما يشاؤونه من أنواع النعيم واللذات مما يليق بمرتبتهم، فإنهم بحسب نشأتهم لا يريدون درجات من فوقهم، فلا يلزم تساوي مراتب أهل
(٢) المراغي.
(٣) الخازن.
(٤) روح البيان.