أحدهما: فما يستطيع المعبودون صرفًا للعذاب عنكم، ولا نصرًا لكم.
والثاني: فما يستطيع العابدون صرفًا، لعذاب الله عنهم، ولا نصرًا لأنفسهم. وفي هذه القراءة التفات. وذكر (١) عن ابن كثير وأبي بكر أنهما قرأوا، ﴿بما يقولون﴾ ﴿فما يستطيعون﴾ بالياء فيهما. والمعنى عليه: فقد كذبكم المعبودون، أيها العابدون بما يقولون؛ أي: بقولهم: ﴿سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا﴾ فما يستطيع المعبودون صرفًا عنكم، ولا نصرًا لكم.
والحاصل: أنه إن كان الخطاب في ﴿كَذَّبُوكُمْ﴾ للعابدين.. فالتاء جارية على ذلك، والياء التفات، وإن كان الخطاب للمعبودين، فالتاء التفات، والياء جارية على ضمير ﴿كَذَّبُوكُمْ﴾ المرفوع. وإن كان الخطاب للمؤمنين، أمة الرسول عليه السلام، في قوله: ﴿فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ﴾.. فالمعنى أنهم شديدوا الشكيمة في التكذيب، فما تستطيعون أنتم صرفهم عما هم عليه من ذلك. وبالياء فما يستطيعون صرفًا لأنفسهم عما هم عليه، أو ما يستطيعون صرفكم عن الحق، الذي أنتم عليه، ولا نصرًا لأنفسهم، من البلاء الذي استوجبوه بتكديبهم. وحكى الفراء: أنه يجوز أن يقرأ: ﴿فقد كذبوكم﴾ مخففًا ﴿بما يقولون﴾؛ أي: كذبوكم في قولهم.
﴿وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ﴾ والظاهر أن الخطاب فيه عام لكل ظالم، ويدخل تحته الذين فيهم، السياق، دخولًا أوليًا. وقيل: خطاب للمؤمنين. وقيل: خطاب للكافرين. والظلم هنا الشرك. قاله: ابن عباس؛ أي: ومن يشرك منكم أيها المكلفون. كما دل عليه قوله: ﴿نُذِقْهُ﴾؛ أي: نذق ذلك الظالم ﴿عَذَابًا كَبِيرًا﴾؛ أي: عذابًا شديدًا، هو النار والخلود فيها، فإن ما يترتب عليه العذاب الكبير، ليس إلا الظلم العظيم الذي هو الشرك. وفيه وعيد أيضًا لفساق المؤمنين، وهذه الآية وأمثالها، مقيدة بعدم التوبة.
والمعنى: أي (٢) ومن يكفر منكم أيها المكلفون، فيعبد مع الله إلهًا آخر،

(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon