وخصصناه بالرسالة، وهذا ملكًا وخصصناه بالدنيا. وهذا فقيرًا وحرمناه من لذات الدنيا ونعيمها، لنختبر الفقير بصبره على ما حرم، مما أعطيه الغني، والملك بصبره على ما أوتيه الرسول من الكرامة. وكيف يكون رضى كل منهم بما أعطي، وقسم له، وطاعته ربه على حرمانه، مما أعطي سواه، ومن جراء هذا لم أعط محمدًا الدنيا، وجعلته يمشي في الأسواق، يطلب المعاش لأبتليكم، وأختبر طاعتكم وإجابتكم إياه، إلى ما دعاكم إليه، وهو لم يرج منكم عرضًا من أعراض الدنيا، ولو أعطيتها إياه، لسارع كثيرة منكم إلى متابعته، طمعًا في أن ينال شيئًا من دنياه.
والخلاصة: لو شئت أن أجعل الدنيا، مع رسلي، حتى لا يخالفوا.. لفعلت، لكني أردت أن ابتلي العباد بهم، وابتليهم بالعباد، فينالهم منهم الأذى، ويناصبوهم العداء، فاصبروا على البلاء، فقد علمتم ما وعد الله به الصابرين ﴿وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا﴾؛ أي: وربك أيها الرسول، بصير بمن يجزع، وبمن يصبر، على ما امتحن به من المحن، ويجازي كلا بما يستحق من عقاب أو ثواب.
وفي الحديث المتفق عليه، عن أبي هريرة، يبلغ به النبي - ﷺ - قال: "إذا نظر أحدكم إلى من فضل عليه بالمال والجسم، فلينظر إلى من هو دونه في المال والجسم". هذا لفظ البخاري، ولمسلم "انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم".
واعلم: أن العبد، لا بد له من السكون إلى قضاء الله تعالى، في حال فقره وغناه، ومن الصبر على كل أمر يرد عليه من مولاه، فإنه تعالى بصير بحاله، مطلع عليه في كل فعاله، وربما يشدد المحنة عليه بحكمته، ويمنع مراده عنه، مع كمال قدرته.
الإعراب
﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (١)﴾.
﴿تَبَارَكَ﴾: فعل ماض جامد. ﴿الَّذِي﴾: فاعل. والجملة مستأنفة استئنافًا