القرون رسولًا خاصًا به، حالة كونهم ﴿تَتْرَا﴾؛ أي: واحدًا بعد واحد، بينهما زمان طويل. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: وهي قراءة الشافعي: ﴿تترى﴾ بالتنوين، فألفه للإلحاق بجعفر، فلما نون ذهبت ألفه لالتقاء الساكنين، وباقي السبعة: بألف صريحة دون تنوين، والألف للتأنيث باعتبار أن الرسل جماعة، والتاء بدل من الواو، فإنه مأخوذ من الوتر وهو الفرد: وهو مصدر بمعنى اسم الفاعل وقع حالًا؛ أي: متواترة؛ أي: متتابعة فرادى. انتهت.
﴿كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً﴾ بتحقيق الهمزتين، وتسهيل الثانية بينها؛ أي: بين الهمزة وبين الواو، بأن تنطق بها متوسطة بينهما. ﴿رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ﴾؛ أي: كلما بلغهم الرسول ما جاء به من عند ربه من الشرائع والأحكام.. كذبوه، كما فعل قومك بك حين أمرتهم بذلك.
﴿فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا﴾ في الهلاك بما نزل بهم من العذاب ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ﴾؛ أي: وجعلنا تلك الأمم المهلكة ﴿أَحَادِيثَ﴾ وحكايات وأمثالًا وأعاجيب، يتحدث ويتعجب منها لمن بعدهم، جمع أحدوثة، وهي ما يتحدث به عجبًا وتسليًا ومسامرة، أو جمع حديث على غير قياس، كما سيأتي في مبحث التصريف، والمراد هنا: المعنى الأول؛ أي: صاروا يتحدث بهم وبحالهم في الإهلاك، على سبيل التعجب والاعتبار، وضرب المثل بهم؛ أي: لم يبق منهم عين ولا أثر، إلا حكايات يسمر بها، ويتعجب منها، ويعتبر بها المعتبرون من أهل السعادة.
فإن قلت: لِمَ أضاف (١) الرسل إلى نفسه سبحانه، حيث قال: ﴿رسلنا﴾ وأضاف الرسول إلى الأمة، حيث قال: ﴿رَسُولُهَا﴾؟
قلت: إن الإضافة تكون للملابسة، والرسول يلابس المرسل والمرسل إليه.
فالأول: كانت الإضافة فيه لتشريف الرسل.
والثانى: كانت الإضافة فيه إلى الأمة حيث كذبته، ولم ينجح فيهم إرساله

(١) البحر المحيط بتصرف.


الصفحة التالية
Icon