حريصون على حياةٍ ﴿يَوَدُّ أَحَدُهُمْ﴾ بيان لزيادة حرصهم على طريقة الاستئناف؛ أي: يحبُّ ويتمنَّى أحد هؤلاء اليهود، وأحد المشركين ﴿لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ أي؛ تعميره (١)، وعيشه، وحياته، وبقاءه في الدنيا ألف سنة؛ لأنّه يعلم أنَّ آخرته قد فسدت عليه، وليس المراد بألف سنة: خصوص هذا العدد، ولا قول الأعاجم: عشر ألف سنةٍ، بل المراد: التكثير والمبالغة.
وقوله: ﴿أَحَدُهُمْ﴾؛ أي: واحدٌ (٢) منهم، وليس أحدٌ هنا هو الذي في قولهم: (ما قام أحدٌ)؛ لأنَّ هذا مستعملٌ في النَّفْي، أو ما جرى مجراه، والفرق بينهما: أنَّ أحدًا هذا أصوله همزةٌ وحاءٌ ودالٌ، وأصول ذلك واو وحاء ودال، فالهمزة في أحدهم بدلٌ من واو، والإتيان (٣) بالمضارع في ﴿يَوَدُّ﴾ حكايةٌ لودادهم و ﴿لَوْ﴾ مصدريَّةٌ فيه معنى التمنِّي، كأنَّه قيل: ليتني أُعمَّر، إلّا أنَّه جرى على لفظ الغيبة لقوله تعالى: ﴿يَوَدُّ أَحَدُهُمْ﴾ كقولك: حلف بالله ليفعلنّ، ومحلُّه النصب على أنه معمول ليودُّ إجراءً له مجرى القول؛ لأنّه فعلٌ قلْبيٌّ، والمعنى: تمنَّى أحدهم أن يعطى البقاء والعمر ألف سنة، وهي للمجوسي، وخصَّ هذا العدد؛ لأنّهم يقولون ذلك فيما بينهم عند العُطَاس والتحية: عشر ألف سنةٍ وألف نورٍ، وصحَّ إطلاق المشركين على المجوس؛ لأنّهم يقولون بالنور والظلمة، ﴿وَمَا هُوَ﴾؛ أي: وما طول عمره وتعميره ألف سنة، ﴿بِمُزَحْزِحِهِ﴾ أي: بمبعده، ومنجيه ﴿مِنَ الْعَذَابِ﴾؛ أي: من عذاب الله؛ لأنّه لا بدَّ للعمر، وإن طال من الفناء، والعمر: مدَّةٌ أجلها الله تعالى لعباده في دار الفناء، وجملة قوله: ﴿أَنْ يُعَمَّرَ﴾ بدلٌ من الضمير الذي فسَّرناه سابقًا بالتعمير، ويحتمل عود الضمير على أحدهم، وهو اسم ﴿مَا﴾ ﴿بِمُزَحْزِحِهِ﴾ خبر ﴿مَا﴾ والباء زائدة، و ﴿أنْ يُعَمَّرَ﴾ فاعلُ بمزحزحه.
والمعنى عليه: وما أحدهم بمن يزحزحه ويبعده من العذاب والنار تعميره

(١) العمدة.
(٢) البحر المحيط.
(٣) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon