أو يكون إطلاقًا لبعض الشيء على كلّه أقوالٌ سبعة.
وأضاف القلب إلى الكاف التي للخطاب، ولم يُضفه إلى ياء المتكلم، وإن كان نظم الكلم يقتضيه ظاهرًا؛ لأنَّ قوله: ﴿مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ﴾ هو معمولٌ لقول مضمر، التقدير: قل يا محمد! قال الله: ﴿مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ﴾ وقوله: ﴿بِإِذْنِ اللَّهِ﴾؛ أي: بأمر الله (١) اختاره في المنتخب، ومنه: ﴿لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾ ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾ وقد صرَّح ذلك في قوله: ﴿وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ﴾، أو بعلمه وتمكينه إيّاه من هذه المنزلة، قاله ابن عطيّة، أو باختياره، قاله الماوردي، أو بتيسيره وتسهيله، قاله الزمخشري.
وقوله: ﴿مُصَدِّقًا﴾ حالٌ من الضمير المنصوب في ﴿نَزَّلَهُ﴾ إن كان يعود على القرآن، والمعنى: أي: حالة كون القرآن مصدِّقًا وموافقًا ﴿لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ أي: لما قبله من الكتب الإلهية في التوحيد وبعض الشرائع، وإن قلنا: إنّ ضمير ﴿نَزَّلَهُ﴾ عائد على جبريل، فيحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون حالًا من المجرور المحذوف لفهم المعنى، والمعنى: فإنّ الله نزّل جبريل بالقرآن حال كون القرآن مصدِّقًا لما بين يديه.
والثاني: أن يكون حالًا من جبريل، وما في قوله: ﴿لِمَا﴾ موصولةٌ، وعنى بها الكتب التي أنزل الله على الأمم قبل إنزاله، أو التوراة والإنجيل. والهاء في ﴿بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ يحتمل أن تكون عائدةً على القرآن، ويحتمل أن تعود على جبريل، فالمعنى: مصدّقًا لما بين يديه من الرسل والكتب ﴿و﴾ حالة كون القرآن ﴿هُدًى﴾؛ أي: هاديًا للناس من الضلالة إلى دين الحق ﴿و﴾ حالة كونه ﴿بُشْرَى﴾؛ أي: مبشِّرًا ﴿لِلْمُؤْمِنِينَ﴾؛ أي: للموحِّدين بالجنة، فلا وجه لمعاداته، فلو أنصفوا لأحبُّوه، وشكروا له صنيعه في إنزاله ما ينفعهم، ويَنْصَحُ المُنزَّل عليهم.

(١) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon