أخْلافِهم إلّا مِثْلُ ما أتى من أسلافهم، فلا تحزنوا على تكذيبهم، واللام في قوله: ﴿لَكُمْ﴾ لتضمين معنى الاستجابة؛ أي: أتطمعون في إيمانهم مستجيبين لكم، أو للتعليل؛ أي: في أن يُحْدِثُوا الإيمانَ لأجل دعوتكم إيّاهم، والمعنى (١): أي: أتعلمون وتسمعون أخبارهم، فتطمعون، وترجون أيُّها النبيُّ والمؤمنون في أن يؤمن هؤلاء اليهود بواسطتكم، ويستجيبوا لكم، ويصدِّقوا بما جاء به محمدٌ - ﷺ -، ﴿و﴾ الحال أنَّه ﴿قد كان فريق﴾ كائنٌ ﴿مِنْهُمْ﴾ أي: طائفةٌ ممن سلف من اليهود. والفريق: اسم جمع، لا واحد له من لفظه، كالرهط؛ أي: والحال أنَّ جماعة منهم، وهم أحبارهم ﴿يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ﴾ سبحانه وتعالى؛ أي: يسمعون كلام الله في التوراة من موسى عليه السلام، ويقرؤونه بأنفسهم ﴿ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ﴾؛ أي (٢): يغيِّرونه ويبدِّلون معناه؛ أي: يغيِّرون ما فيها من الأحكام، كتغييرهم صفة محمد - ﷺ - وآية الرجم. وقيل: كان قومٌ من السبعين المختارين، سمعوا كلام الله حين كلَّم موسى بالطور، وما أمر به ونهى عنه، ثم قالوا: سمعنا الله يقول في آخره: (إن استطعتم أن تفعلوا هذه الأشياء فافعلوا، وإن شئتم أن لا تفعلوا فلا بأس).
قال في "التيسير": الصحيحُ أنهم لم يسمعوا كلام الله بلا واسطةٍ، فإنَّ ذلك كان لموسى عليه السلام على الخصوص، لم يشركه فيه غيره في الدنيا.
ومعنى يسمعون كلام الله؛ أي: التوراة من موسى بقراءته، ﴿مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ﴾؛ أي: من بعدما فهموه وضبطوه بعقولهم، ولم يبق لهم شبهةٌ في صحته؛ أي: يحرِّفونه من بعد تعقُّلهم، ومعرفتهم تأويله ومعناه بعقولهم؛ أي: لم يفعلوا (٣) ذلك عن خطأ ونسيان، بل فعلوه عن تعمُّد ﴿وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾؛ أي: والحال أنهم يعلمون أنّهم مبطلون، ومفترون كاذبون، وذلك كنعت محمد - ﷺ -، فكانت صفته - ﷺ - في التوراة: أكحل العين، ربعة القامة، جعد الشعر، حسن
(٢) روح البيان.
(٣) العمدة.