نقضوا عهد الله مرارًا كثيرةً، وخرَّجه المهدوي، وغيره على أنَّ (أو) للخروج من كلام إلى غيره بمنزلة أمْ المنقطعة، فكأنَّه قال: بل كُلَّما عاهدوا عهدًا. الخ. وهذا التخريج على مذهب الكوفيين، إذْ تكون ﴿أو﴾ عندهم بمعنى بل، ويحتمل أن تكون ﴿أو﴾ على هذه القراءة الشاذة بمعنى: الواو، كأنَّه قيل: وكلَّما عاهدوا عهدًا. وقرأ الحسن، وأبو رجاء ﴿أو كلّما عوهدوا﴾ على البناء للمفعول، وهي قراءةٌ شاذة تخالف رسم المصحف. وقرىء ﴿أو كلما عهدوا عهدًا﴾ ويكون ﴿عهدًا﴾ مصدرًا لفظيًّا؛ أي: نبذ ذلك العهد، وطرحه، أو نقضه، أو ترك العمل به، أو اعتزله، أو رماه، أقوالٌ خمسةٌ، هي متقاربة المعنى، ونسبة النبذ إلى العهد مجازٌ؛ لأنَّ العهد معنى من المعاني، والنَّبْذُ إنّما هو حقيقةٌ في المتجسدات، كقوله: ﴿فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ﴾ وقوله: ﴿لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ﴾ ﴿فَرِيقٌ مِنْهُمْ﴾؛ أي: من اليهود، والفريق: الطائفة، وهم اسم جنس يصدق على القليل والكثير، ولا واحد له من لفظه، وإسناد النبذ إلى فريق منهم؛ لأنَّ منهم من لم ينبذه. وقرأ عبد الله (نقضه فريقٌ منهم) وهي قراءة تخالف سواد المصحف، فالأولى حملها على التفسير.
أي: أكفروا (١) بتلك الآيات البينات؟ وكلَّما عاهدوا وأعطوا عهد الله في حق محمد - ﷺ - نقضه، ورماه جماعةٌ منهم، وقوله: ﴿نَبَذَهُ﴾ جواب ﴿كلما﴾ وهو محلُّ الاستفهام الإنكاري، والمعنى: أنقضوا العهد كُلَّما عاهدوا عهدًا، ولا ينبغي ولا يليق بهم ذلك النقض، وذلك (٢) العهد، كقولهم قبل مبعث محمد - ﷺ -: لئن خرج نبيُّ آخر الزمان لنؤمننَّ به، ولنخرجنَّ المشركين من ديارهم، وككونهم عاهدوا الله على أن لا يعينوا عليه - ﷺ - أحدًا من المشركين، ثم أعانوا عليه قريشًا يوم الخندق.
وفي "المراغي": والمراد بالعهود هنا: هي عهودهم للنبي - ﷺ -، ولمَّا كان لفظ الفريق يُوهم قلّةَ العدد، مع أن الناقِضينَ للعهد هم أكثر، أَضْرَبَ عنه،
(٢) المراح.