ضَلَّ}؛ أي: عدل وجار من حيث لا يدري ﴿سَوَاءَ السَّبِيلِ﴾؛ أي: عن الطريق المستقيم الموصل إلى معالم الحق والهدى، وتاه في تنبيه الهوى، وتردَّى في مهاوي الردى.
ومعنى ﴿سَوَاءَ السَّبِيلِ﴾ أي: قصد الطريق السويّ، ووسطه الذي هو بين الغلوّ والتقصير وهو الحق، فهو من إضافة الصفة إلى الموصوف؛ أي: قد أخطأ الطريق المستوي؛ أي: المعتدل الحقَّ. وقرىء ﴿يُبْدِلْ﴾ من أبدل الرباعيِّ. وقد قرئ ﴿فَقَدْ ضَلَّ﴾ بالإدغام، وبالإظهار في السبعة، والمعنى: ومن ترك الثقة بالآيات البينات المنزَّلة، وشكّ فيها، واقترح غيرها، فقد ضَلَّ الطريق المستوي حتى وقع في الكفر بعد الإيمان، وحاصل معنى الآية: لا تقترحوا فتضِلُّوا وسط السبيل وقصده، ويؤدِّي بكم إلى البعد عن المقصد، وتبديل الكفر بالإيمان.
وأكثر المفسرين (١): على أنَّ سبب نزول الآية اليهود حين قالوا: يا محمد! ائتنا بكتاب من عند الله جملةً، كما جاء موسى بالتوارة جملةً، فنزلت هذه الآية كما قال في آية أخرى ﴿يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ﴾ إلى قوله: ﴿جَهْرَةً﴾ فالمخاطبون بقوله: ﴿أَمْ تُرِيدُونَ﴾ هم اليهود، وإضافة الرسول إليهم في قوله: ﴿رَسُولَكُمْ﴾ باعتبار أنّهم من أمة الدعوة، ومعنى تبدُّل الكفر بالإيمان، ترك صرف قدرتهم إليه مع تمكنهم من ذلك، وإيثارهم للكفر عليه. قال الإِمام: وهذا القول أصحُّ؛ لأنَّ الآية مدنيَّةٌ؛ ولأنّ هذه السورة من أوّل قوله: ﴿يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ﴾ حكايةٌ عنهم، ومحاجَّةٌ معهم، وفي الآية إشارة إلى حفظ الآداب، فمن لم يتأدَّب بين يدي مولاه، ورسوله، وخلفائه، فقد تعرَّض للكفر، وحقيقة الأدب: اجتماع خصال الخير، وعن النبي - ﷺ - قال: "حقُّ الولد على والده أن يحسن اسمه، ويحسن مرضعه، ويحسن أدبه، فإنّه مسؤولٌ عنه يوم القيامة، ومؤاخذٌ بالتقصير فيه". وسئل ابن سيرين: أيُّ الأدب أقرب إلى الله؟ فقال: معرفة ربوبيته، والعمل بطاعته، والحمد على السراء، والصبر على الضرّاء. انتهى كلامه.
١٠٩ - ﴿وَدَّ﴾ أي: تمنَّى وأحبَّ ﴿كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾؛