تبكيتًا لهم وتوبيخًا ﴿أَتَّخَذْتُمْ﴾ بقطع الهمزة؛ لأنّها همزة استفهام للتوبيخ، والهمزة المجلوبة للوصل حذفت للدرج. وفي "البيضاوي": قرأ ابن كثير، وحفصٌ: بإظهار الذال، والباقون بإدغامها. انتهى؛ أي: اتّخذتم وجعلتم ﴿عِنْدَ اللَّهِ﴾ سبحانه ﴿عَهْدًا﴾ وموثقًا ووعدًا بما تزعمون، فإنّما تدَّعون لا يكون إلّا بناءً على وعد قويٍّ، ولذلك عبَّر عنه بالعهد؛ أي: هل جعلتم عند الله موثقًا أن لا يعذبكم إلّا هذه المدة، ﴿فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ﴾؛ أي: فإذًا لن يخلف الله وعده إيّاكم على ذلك؛ لأنَّ الله لا يخلف الميعاد. وعبارة "الروح" هنا قوله: ﴿فَلَن﴾ الفاء (١) فصيحةٌ معربة عن شرط محذوف؛ أي: إن اتخذتم عند الله عهدًا وأمانًا، فلن يخلف الله عهده الذي عهده إليكم؛ يعني: ينجز وعده ألبتة؛ والإخلاف نقض العهد، فتكون جملة الشرط معترضة بين المعطوف الذي هو قوله: ﴿أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ﴾ الخ، والمعطوف عليه الذي هو قوله: ﴿أَتَّخَذْتُمْ﴾ قال الإِمام أبو منصور: لهذا الكلام وجهان:
أحدهما: هل عندكم خبرٌ عن الله تعالى؟ أنّكم لا تعذَّبون أبدًا لكن أيامًا معدودة، فإن كان لكم هذا فهو لا يخلف عهده ووعده.
والثاني: ألكم عند الله أعمالٌ صالحةٌ، ووعدكم بها الجنة؟ فهو لا يخلف وعده ﴿أَمْ تَقُولُونَ﴾ ذلك مفترين ﴿عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ وقوعه؛ أي: أم لم تتَّخذوا من الله عهدًا، بل تتقولون على الله الباطل والكذب، وأم معادلةٌ لهمزة الاستفهام، بمعنى: أيُّ الأمرين المتساويين كائنٌ على سبيل التقرير؟ لأنَّ العلم واقعٌ يكون أحدهما. خلاصته: إن لكم عنده عهد فلا ينقض، ولكنّكم تخرصون وتكذبون. روي أنهم إذا مضت تلك المدة عليهم في النار، يقول لهم خزنة جهنّم: يا أعداء الله! ذهب الأجل وبقي الأبد، فأيقنوا بالخلود. انتهت.
والمعنى: قل لهم يا محمد (٢) أعَهِد إليكم ربُّكم بذلك، ووعدكم به وعدًا حقًّا؟ إن كان كما تقولون، فلن يخلف الله وعده، أم أنتم تقولون على الله شيئًا لا
(٢) المراغي.