لربّها، سمّاها الحقّ تعالى في كتابه الكريم مع الأنبياء عليهم السلام سبع مرّات، وخاطبها كما خُوطِب الأنبياء، كما قال تعالى: ﴿يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (٤٣)﴾ فشاركها مع الرجال.
وقد أجمل (١) الله سبحانه ذكر الرسل، وفصل ذكر عيسى؛ لأنّ من قبله كانوا متّبعين شريعة موسى، وأمّا عيسى فنسَخَ شَرْعُه كثيرًا من شرع موسى؛ أي: وآتينا عيسى ابن مريم ﴿الْبَيِّنَاتِ﴾؛ أي: الحجج الواضحات والمعجزات الباهرات الدَالَّة على نُبوّته، فيشمل كل معجزة أوتيها عيسى عليه السلام، وهذا هو الظاهر. وقيل: الإنجيل. وقيل: الحجج التي أقامها الله على اليهود، كإحياء الموتى وهو أربعةٌ: سامُ بن نوح، والعازِرو ابنُ العَجوز، وبنتُ العَشَّار، ومن الطير الخفاش. قيل: لم يكن مِنْ قَبْلِ عيسى، بل هو صوَّرهُ، والله نفخ فيه الروح، وقيل: كان قَبْلَهُ، فوضَع عيسى على مثاله. قالوا: وإنّما اختصَّ هذا النوع من الطير؛ لأنّه ليس شيءٌ من الطير أشدَّ خلقًا منه؛ لأنّه لحمٌ كلُّه، وكإبراء الأكمه سواء كان كمهه خلقيًّا، أو طارئًا، وإبراء الأبرص، والإخبار بالمغيَّبات.
فائدة: ولفظ عيسى (٢) لغةٌ عبرانيةٌ معناه: السَّبُوح بفتح السين وضمّ الباء المخفّفة بمعنى: السَّابح، وهو من الخيل السريعُ الجري، وبالسريانية اسمه: أيشوع، ومعناه: المبارك، ولفظ مريم لغة سريانية معناه: خادمة الله، وفي كتاب "لسان العرب" هي: المرأة التي تكره مخالطة الرجال، وإنّما خصَّ عيسى بالذكر مع دخوله في قوله: ﴿وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ﴾؛ إشعارًا بفضله، ومزيَّته على غيره لكونه رسولًا مستقلًّا بشرع يخصه: لأنّه نسخ بعض ما في التوراة، وردًّا على اليهود حيث ادَّعوا أنهم قتلوه، وما بين موسى وعيسى: أربعة آلاف نبيٍّ، وقيل: سبعون ألف نبيٍّ، ﴿وَأَيَّدْنَاهُ﴾ أي: قوَّينا عيسى عليه السلام. وقرأ الجمهور (٣) على

(١) روح البيان.
(٢) العمدة.
(٣) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon