من عند الله تعالى، لا يقال: إنّه يحتمل أن يكون من عند الله متعلِّقًا بجاءهم، فلا يكون صفة؛ للفصل بين الصفة والموصوف بما هو معمولٌ لغير أحدهما. وفي مصحف أُبَيٍّ ﴿مصدقًا﴾ وبه قرأ ابن أبي عبلة، ونصبه على الحال من كتاب وإن كان نكرة، وقد أجاز ذلك سيبويه بلا شرطٍ، فقد تخصَّص هنا بالصفة فقَرَّبَتْهُ من المعرفة، وقوله: ﴿لِمَا مَعَهُمْ﴾ هو التوراة والإنجيل، وتصديقه إمّا بكونهما من عند الله، أو بما اشتملا عليه من ذكر بعث الرسول ونعته.
قال ابن التمجيد: المصدَّق به: ما يختصُّ ببعثة محمد - ﷺ -، وما يدلُّ عليها من العلامات لا الشرائع والأحكام؛ لأنَّ القرآن نسخَ أكثرها.
وجواب (١) ﴿لِمَا﴾ محذوفٌ دلَّ عليه جواب ﴿لِمَا﴾ الثانية تقديره: ولمَّا جاءهم كتابٌ من عند الله مصدّق لما معهم كذَّبوه. وقيل: جوابها جملة قوله الآتي: ﴿كَفَرُوا بِهِ﴾ كما سيأتي قريبًا. ﴿و﴾ قد ﴿كانوا﴾؛ أي: اليهود ﴿مِنْ قَبْلُ﴾؛ أي: من قبل مبعث محمد - ﷺ -، ونزول القرآن، وبُني لقطعِه عن الإضافة إلى معرفة ﴿يَسْتَفْتِحُونَ﴾ ويستنصرون؛ أي: يطلبون من الله الفتح والنصر ﴿عَلَى﴾ أعدائهم ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ وأشركوا بالله؛ أي: يستنصرون به على مشركي العرب، وكفار مكة من أَسَدٍ، وغَطَفَانَ، ومُزَيْنَةَ، وجُهَيْنَةَ، ويقولون: اللهمّ! انصرنا عليهم بالنبيِّ الأميّ المبعوث في آخر الزمان، الذي نجد نعته في التوراة، فكانوا يُنصَرون عليهم، وكانوا يقولون: لأعدائهم المشركين قد أظل زمان نبي يخرج بتصديق ما قلنا، فنقتلكم معه قَتلَ عاد وإرم ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ﴾ وظهر لهم ﴿مَا عَرَفُوا﴾ وما سبق لهم تعريفه للمشركين؛ أي: الحقُّ الذي عرفوه أوّلًا من كتابهم حقَّ المعرفة، وأخبروه للمشركين من بعثة محمد - ﷺ -، ونزول القرآن: لأنَّ معرفة من أنزل هو عليه معرفةٌ له، والفاء (٢) للدلالة على تعقيب مجيئه للاستفتاح به من غير أن يتخلَّل بينهما مدّةٌ مَنْسِيَّةٌ ﴿كَفَرُوا بِهِ﴾ أي: بذلك الحق؛ أي:
(٢) روح البيان.