قوله: ﴿فَلِمَ﴾ أصله: (لما) لامه للتعليل، دخلت على ما الاستفهامية، وسقطت الألف؛ فرقًا بين الاستفهامية والخبريّة. وصيغة الاستقبال في قوله: ﴿تَقْتُلُونَ﴾؛ لحكاية الحال الماضية، وهو جواب شرط محذوف، تقديره: قُلْ لهم إن كنتم مؤمنين بالتوراة كما تزعمون، فلأيِّ شيءٍ تقتلون أنبياء الله من قبل وهو فيها حرام؟.
فإن قلت: الخطاب (١) مع الموجودين في زمن النبي - ﷺ -، فلم خوطبوا بالقتل مع أنَّ قتل الأنبياء ليس واقعًا منهم، بل من أسلافهم؟.
قلتُ: خوطبوا بذلك؛ لأنّهم رضوا بفعل أسلافهم، والرضا بالكفر كفرٌ؛ أو لأنّهم أصرُّوا على قتل محمدٍ - ﷺ -، وقد تسبَّبُوا في ذلك مرارًا، كما مرّ. وعبارة "الروح": وأسند فعل الآباء وهو القتل إلى الأبناء؛ للملابسة بين الآباء والأبناء. اهـ.
قال أبو الليث: وفي الآية دليل على أنّ من رضي بالمعصية، فكأنَّه فاعلٌ لها؛ لأنّ اليهود راضون بقتل آبائهم، فسمَّاهم الله تعالى قاتلين، حيث قال: ﴿قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ﴾ الآية. وقرأ نافع وحده ﴿فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ﴾ مهموزًا في جميع القرآن، ووقف (٢) البزّيُّ (فَلِمَهْ) بالهاء، ووقف غيره بغير هاء، ولا يجوز هذا الوقف إلا للاختبار، أو لانقطاع النفس. وقوله: ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ شرط جوابه محذوف؛ لدلالة ما قبله عليه؛ أي: إن كنتم مؤمنين فلم تقتلونهم، وهو تكريرٌ للاعتراض؛ لتأكيد الإلزام، وتشديد التهديد. وقيل: ﴿إن﴾ نافية؛ أي: ما كنتم مؤمنين؛ لأنَّ من قتل أنبياء الله لا يكون مؤمنًا، فأخبر تعالى: أنَّ الإيمان لا يجامع مع قتل الأنبياء؛ أي ما اتَّصف بالإيمان مَنْ هذه صفته. قيل: والأظهر أنَّ ﴿إن﴾ شرطية، والجواب محذوف كما مرَّ آنفًا.
٩٢ - ثمّ ذكر سبحانه: أنّهم كفروا بالله مع وضوح الآيات في زمن موسى عليه

(١) العمدة.
(٢) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon