وجهه من البزاق، ثم التفت إليه فقال: "إن وجدتك خارجًا من جبال مكة أضرب عنقك صبرًا"، فلما كان يوم بدر، وخرج أصحابه أبى أن يخرج، فقال له أصحابه: أخرج معنا، قال: قد وعدني هذا الرجل إن وجدني خارجًا من جبال مكة أن يضرب عنقي صبرًا، فقالوا: لك جمل أحمر لا يدرك، فلو كانت الهزيمة طرت عليه، فخرج معهم، فلما هزم الله المشركين وحل به جمله - وقع في الوحل - في جدد من الأرض، فأخذه رسول الله - ﷺ - أسيرًا في سبعين من قريش، وقدم إليه أبو معيط، فقال: تقتلني من بين هؤلاء؟ قال: نعم بما بزقت في وجهي، فأنزل الله في أبي معيط: ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ﴾ إلى قوله: ﴿وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا﴾ أخرجه السيوطي في "الدر المنثور" (ج ٥/ ص ٦٨).
التفسير وأوجه القراءة
٢١ - ﴿وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا﴾ هذه المقالة من جملة شبههم التي قدحوا بها في النبوة، وهذه الجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ...﴾ الخ؛ أي: وقال المشركون الذين لا يأملون وعدنا على الطاعة بالثواب، ولا يخافون وعيدنا على المعصية بالعقاب، وأصل الرجاء (١): ظن يقتضي حصول ما فيه مسرة. واللقاء: يقال في الإدراك بالحس بالبصر وبالبصيرة، وملاقاة الله سبحانه عبارة عن القيامة، وعن المصير إليه تعالى؛ أي: الرجوع إلى حيث لا حاكم، ولا مالك سواه. والمعنى: وقال الذين لا يتوقعون الرجوع إلينا للمجازاة؛ أي: ينكرون البعث والحشر والحساب والجزاء؛ وهم كفار مكة: ﴿لَوْلَا﴾ حرف تحضيض بمعنى هلا ﴿أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ﴾؛ أي: بطريق الرسالة لكون البشرية منافية للرسالة بزعمهم؛ أي: قالوا: هلا أنزلت الملائكة علينا، فيخبرونا أن محمدًا صادق فيما يدعيه، أو هلا أنزلوا علينا رسلًا يرسلهم الله تعالى إلينا؛ لأن البشر لا يصلح للرسالة ﴿أَوْ﴾ هلا ﴿نَرَى رَبَّنَا﴾ جهرة وعيانًا، فيأمرنا بتصديق محمد - ﷺ - واتباعه؛ لأن هذا الطريق أحسن وأقوى في الإفضاء إلى

(١) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon