الذين قصروا في العبادة فسيكون تكذيبهم مفضيًا لعذابهم وهلاكهم في الدنيا والآخرة.
وقال أبو حيان (١): والذي يظهر أن قوله: ﴿قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي﴾ خطاب لكفار قريش القائلين: أنسجد لما تأمرنا؟ أي: لا يحفل بكم ربي لولا تضرعكم إليه واستغاثتكم إياه عند الشدائد، فقد كذبتم بما جاء به الرسول - ﷺ -، فتستحقون العقاب، فسوف يكون العقاب لزامًا؛ أي: لازمًا لكم لا تنفكون منه، ونفس لهم في حلوله بلفظة ﴿فَسَوْفَ﴾، وقرأ عبد الله وابن عباس وابن الزبير: ﴿فقد كذب الكافرون﴾ فهو محمول على أنه تفسير لا قرآن، وفي هذه القراءة دليل (٢) بين على أن الخطاب لجميع الناس.
وقرأ ابن جريج ﴿فسوف تكون﴾ بتاء التأنيث؛ أي: فسوف تكون العاقبة، وقرأ الجمهور: ﴿لِزَامًا﴾ بكسر اللام، وقرأ (٣) المنهال وأبان بن تغلب وأبو السماك بفتحها مصدرًا، تقول: لزم لزومًا ولزامًا مثل ثبت ثبوتًا وثباتًا، وأنشد أبو عبيدة على كسر اللام لصخر الغي:
فَإِمَّا يَنْجُ مِنْ حَتْفِ أَرْضٍ | فَقَدْ لَقِيَا حُتُوْفَهُمَا لِزَامَا |
فائدة: قال الإمام الراغب (٤): الإنسان في هذه الدار الدنيا كما قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: الناس سفر، والدار دار ممر، لا دار مقر، وبطن أمه مبدأ سفره، والآخرة مقصده، وزمان حياته مقدار مسافته، وسنوه منازله، وشهوره فراسخه، وأيامه أمياله، وأنفاسه خطاه، ويسار به سير السفينة براكبها، كما قال الشاعر:
رَأَيْتُ أَخَا الدُّنْيَا وَإِنْ كَانَ ثَاوِيَا | أَخَا سَفَرٍ يُسْرَى بِهِ وَهُوَ لاَ يَدْرِيْ |
(٢) الشوكاني.
(٣) البحر المحيط.
(٤) روح البيان.