الرسل إليهم، وإنزال الكتب عليهم.
والخلاصة: أن القرآن، وإن بلغ في البيان الغاية، غير موصل لهم إلى الإيمان، فلا تبالغ في الأسى والحزن، فإنك إن فعلت ذلك كنت كمن يقتل نفسه، ثم لا ينتفع بذلك، فكما أن الكتاب على وضوحه لم يفدهم شيئًا فحزنك عليهم لا يجدي نفعًا، وقد كان في مقدورنا أن نلجئهم إلى الإيمان إلجاء، ولكن جرت سنتنا أن يكون الإيمان طوعًا لا كرهًا، ومن جرّاء هذا أرسلنا رسلنا بالعظات والزواجر، وأنزلنا الكتب لتهديهم إلى سواء السبيل، لكنهم ضلوا وأضلوا، وما ربك بظلام للعبيد.
٥ - ثم بين شدة شكيمتهم وعدم ارعوائهم عما هم عليه من الكفر والضلال بغير الآيات الملجئة تأكيدًا لصرف رسول الله - ﷺ - عن الحرص على إسلامهم، فقال: ﴿وَمَا يَأْتِيهِمْ﴾؛ أي: أهل مكة وما يجيئهم ﴿مِنْ ذِكْرٍ﴾: ﴿من﴾: زائدة لتأكيد العموم، وفي قوله: ﴿مِنَ الرَّحْمَنِ﴾ ابتدائية؛ أي: بوحيه إلى نبيه، دل (١) هذا الاسم الجليل على أن إتيان الذكر من آثار رحمة الله تعالى على عباده؛ أي: وما يأتي أهل مكة تذكير وموعظة من المواعظ القرآنية مبتدأ مجيئه من الرحمَن ﴿مُحْدَثٍ﴾؛ أي: مجدّد إنزاله لتكرير التذكير وتنويع التقرير، فلا يلزم حدوث القرآن؛ أي: فهو محدث التنزيل، وكلما نزل شيء من القرآن بعد شيء فهو أحدث من الأول، ﴿إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ﴾؛ أي: إلّا جدّدوا إعراضًا عن ذلك الذكر، وعن الإيمان به، وإصرارًا على ما كانوا عليه؛ أي (٢): وما يجدد الله سبحانه لهم بوحيه موعظة وتذكيرًا إلَّا جدّدوا إعراضًا عنه، وكفرًا به. والاستثناء مفرغ من أعم الأحوال، محله النصب على الحالية من مفعول ﴿يَأْتِيهِمْ﴾ بإضمار قد، وبدونه على الخلاف المشهور في محله؛ أي: ما يأتيهم من ذكر في حال من الأحوال إلّا حال كونهم معرضين عنه.
وقد سبق نظير هذه الآية في سورة الأنبياء. فإن قلت: لم قال هناك {مِنْ
(٢) النسفي.