على حقيقة حال القرآن بأنه كان حقًا أو باطلًا، وكان حقيقًا بأن يصدق ويعظم قدره، أو يكذب فيستخف أمره، كما يقفون على الأحوال الخافية عنهم باستماع الأنباء، وفيه تهويل له؛ لأن النبأ لا يطلق إلّا على خبر خطير له وقع عظيم.
أي: فقد كذب هؤلاء المشركون بالذكر الذي أتاهم من عند الله تعالى، ثم انتقلوا من التكذيب إلى الاستهزاء، وسيحل بهم عاجل العذاب وآجله في الدنيا والآخرة، كما قال ﴿وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (٨٨)﴾، وقال: ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ﴾، ونحو الآية قوله: ﴿يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (٣٠)﴾، وقصارى ذلك أنهم كذبوا بما جئتهم به من الحق، وأنه سيأتيهم لا محالة صدق ما كانوا يستهزئون به من قبل، بلا تدبر ولا تفكير في العاقبة.
٧ - وبعد أن بين أنهم أعرضوا عن الآيات المنزلة من عند ربهم.. ذكر أنهم أعرضوا عن الآيات التي يشاهدونها في الآفاق، فقال: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا﴾ الهمزة (١) فيه للإنكار التوبيخي، داخلة على محذوف، والواو عاطفة على ذلك المحذوف؛ أي: أفعل المكذبون من قريش ما فعلوا من الإعراض عن الآيات والتكذيب والاستهزاء بها ولم ينظروا ﴿إِلَى الْأَرْضِ﴾؛ أي: إلى عجائبها الزاجرة عما فعلوا، الداعية إلى الإقبال إلى ما أعرضوا ﴿كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا﴾ بعد أن لم يكن فيها نبات ﴿مِنْ كُلِّ زَوْجٍ﴾؛ أي: جنس ونوع وصنف ﴿كَرِيمٍ﴾؛ أي: حسن من النبات مما يأكل الناس والأنعام.
قال أهل التفسير: ﴿كَمْ﴾: خبرية منصوبة بما بعدها على المفعولية، والجمع بينها وبين ﴿كُلِّ﴾؛ لأن ﴿كُلِّ﴾ للإحاطة بجميع أزواج النبات، و ﴿كَمْ﴾ لكثرة المحاط به من الأزواج. و ﴿مِنْ كُلِّ زَوْجٍ﴾؛ أي: صنف تمييز، والكريم من كل شيء مرضيه ومَحْمُودُه، والمعنى: كثيرًا من كل صنف مرضي كثير المنافع أنبتنا فيها، وتخصيص النبات النافع بالذكر دون ما عداه من أصناف الضارّ، وإن

(١) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon