فرعون أول داخل في الحكم.
والمعنى (١): واذكر يا محمد لأولئك المعرضين المكذبين وقت ندائه تعالى موسى عليه السلام من جانب الطور الأيمن، وأمره له بالذهاب إلى أولئك القوم الظالمين لأنفسهم بالكفر والمعاصي، والظالمين لبني إسرائيل باستعبادهم وذبح أبنائهم، قوم فرعون ذي الجبروت والطغيان والعتوّ والبهتان؛ ليكون لهم في ذلك عبرة، لو تذكروا فيرعووا عن غيهم، ويثوبوا إلى رشدهم حتى لا يحيق بهم ما حاق بأولئك المكذبين من قبلهم؛ إذ ابتلعهم اليمّ، وأغرقوا جميعًا، ولا شك أن الأمر بذكر الوقت إنما هو ذكر لما جرى فيه من القصة كما أشرنا إليه آنفًا.
١١ - ثم اتبع ذكر إرساله عليه السلام بإنذارهم وتسجيل الظلم عليهم، وتعجيب موسى من حالهم التي بلغت غاية الشناعة، ومن أمنهم العواقب، وقلة خوفهم وحذرهم من أيام الله تعالى، فقال: ﴿أَلَا يَتَّقُونَ﴾؛ أي: قال الله سبحانه لموسى: ألا يتقي هؤلاء القوم ربهم، ويحذرون عاقبة بغيهم وكفرهم به. وهذا (٢) استئناف لا محل له من الإعراب. و ﴿أَلَا﴾: حرف تحضيض على الفعل؛ أعني: التقوى، أتبعه إرساله إليهم إنذارًا لهم، وتعجيبًا من غلوهم في الظلم وإفراطهم في العدوان؛ أي: ألا يخافون الله، ويصرفون عن أنفسهم عقابهم بالإيمان والطاعة. وقيل: المعنى: قل لهم: ألا تتقون. وجاء بالياء التحتية؛ لأنهم غيبٌ وقت الخطاب.
وقرأ الجمهور (٣): ﴿أَلَا يَتَّقُونَ﴾ بالياء على الغيبة، وقرأ عبد الله بن مسلم بن يسار وشقيق بن سلمة وحماد بن سلمة وأبو قلابة وعبيد بن دمير وأبو حازم بتاء الخطاب على طريقة الالتفات إليهم إنكارًا وغضبًا عليهم وإن لم يكونوا حاضرين؛ لأنه مبلغهم ذلك ومكافحهم، قال ابن عطية: معناه: قل لهم، فجمع في هذه العبارة من المعاني نفي التقوى عنهم، وأمرهم بالتقوى اهـ.
(٢) روح البيان.
(٣) البحر المحيط.