ذاك يتلجلج، ولا يكاد يبين عن مقصود الإنسان. وقال ابن عطية: وقد يكون عدم انطلاق اللسان بالقول لغموض المعاني التي تطلب لها ألفاظ محررة، فإذا كان هذا في وقت ضيق الصدر لم ينطلق اللسان.
ومعنى الآية: أي (١) قال موسى: رب إني أخاف تكذيبهم إياي، فيضيق صدري تأثرًا منه، ولا ينطلق لساني بأداء الرسالة، بل يتلجلج بسبب ذلك كما يرى كثيرًا من ذوي اللسن والبلاغة إذا اشتدّ بهم الغمّ، وضاق منهم الصدر. تلجلجت ألسنتهم حتى لا تكاد تبين عن مقصدهم.
وفي هذا (٢): تمهيد العذر في استدعاء عون له على الامتثال وإقامة الدعوة على أتم وجه، فإن ما ذكر ربما أوجب الإخلال بالدعوة، وعدم إلزام الحجة، ومن ثم قال: ﴿فَأَرْسِلْ﴾ جبريل ﴿إِلَى﴾ أخي ﴿هَارُونَ﴾ ليكون رسولًا مصاحبًا لي في دعوة فرعون وقومه، فإنه أفصح منى لسانًا، وكان هارون إذ ذاك بمصر، وموسى في المناجاة في الطور.
١٤ - ثم ذكر سببًا آخر في الحاجة إلى طلب العون، وهو خوفه أن يقتل قبل تبليغ الرساله، فقال: ﴿وَلَهُمْ﴾؛ أي: لقوم فرعون ﴿عَلَيَّ﴾؛ أي: بذمتي ﴿ذَنْبٌ﴾؛ أي: جزاء ذنب وموجبه، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، والمراد به: قتل القبطي الذي هو خبّاز فرعون بالوكزة التي وكزها دفعًا عن القبطي، وإنما سماه ذنبًا على زعمهم ﴿فَأَخَافُ﴾ إن أتيتهم وحدي ﴿أَنْ يَقْتُلُونِ﴾ بمقابلته قبل أداء الرسالة كما ينبغي، فيفوت المقصود من الرسالة، وأما هارون فليس له هذا الذنب، وفيه دليل على أن الخوف قد يحصل مع الأنبياء فضلًا عن الفضلاء.
قال بعضهم (٣): ليس بعجب طريان خوف الطبيعة وصفات البشرية على الأنبياء، فالقلب ثابت على المعرفة. واعلم أن هذا وما قبله ليس تعللًا وتوقفًا من جانب موسى، وتركًا للمسارعة إلى الامتثال، بل هو استدفاع للبلية المتوقعة قبل
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.