سباعًا من أسد ونمور وفهود يتفرج عليها، فخاف سوّاسها أن تبطش بموسى وهارون، فأسرعوا إليها، وأسرعت السباع إلى موسى وهارون، فأقبلت تلحس أقدامهما، وتُبصبِصُ إليهما بأذنابها، وتلصق خدودها بفخذيهما، فعجب فرعون من ذلك. فقال: من أنتما؟ قالا: إنا رسول رب العالمين، فعرف موسى؛ لأنه نشأ في بيته، فشتمه،
١٨ - فعند ذلك ﴿قَالَ﴾ فرعون لموسى على سبيل الامتنان: ﴿أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا﴾؛ أي: في منازلنا وحجرنا حالة كونك ﴿وَلِيدًا﴾؛ أي: طفلًا صغيرًا، سمّي الصبي وليدًا لقربه من الولادة، وهو فعيل بمعنى مفعول، والاستفهام فيه للتقرير؛ أي: ألم تكن صغيرًا، فربّيناك في منازلنا وبيوتنا، ولم نقتلك في جملة من قتلنا ﴿وَلَبِثْتَ﴾؛ أي: جلست ﴿فِينَا﴾؛ أي: بيوتنا ﴿مِنْ عُمُرِكَ﴾ حال من ﴿سِنِينَ﴾؛ أي: جلست في بيوتنا سنين من عمرك وحياتك، وأنعمنا عليك ردحًا من الزمن، ثم تقابل الإحسان بكفران النعمة، وتواجهنا بمثل تلك المقالة، فمتى هذا الذي تدّعيه.
روي (١): أنه لبث فيهم ثماني عشرة سنة، وقيل: ثلاثين سنة، ثم خرج إلى مدين وأقام بها عشر سنين، ثم عاد إليهم يدعوهم إلى الله تعالى ثلاثين سنة، ثم بقي بعد الغرق خمسين سنة، فيكون عمر موسى مئة وعشرين سنة. قال الراغب: العمر اسم لمدة عمارة البدن بالحياة قليلة أو كثيرة كما سيأتي.
وقرأ أبو عمرو في رواية: ﴿من عمرك﴾ بإسكان الميم.
١٩ - ثم قرر بقتل القبطي، فقال: ﴿وَفَعَلْتَ﴾ يا موسى ﴿فَعْلَتَكَ﴾ القبيحة ﴿الَّتِي فَعَلْتَ﴾ ببعض خواصي. والفعلة - بالفتح - المرة الواحدة. يعني: قتل القبطي الذي كان خباز فرعون، واسمه: فاتون.
وبعدما عدد نعمته عليه من تربيته وتبليغه مبلغ الرجال.. نبهه بما جرى عليه من قتل خبازه وعظمه. قال ابن الشيخ: تعظيم تلك الفعلة يستفاد من عدم التصريح باسمها الخاص، فإن تنكير الشيء وإبهامه قد يقصد به التعظيم، وقوله: