يتمتع المالك بما يملكه ميراثًا، ويؤول إليه أمره من شؤون الدنيا، ومعنى جنة النعيم؛ أي: بستان النعيم الدائم، وفيه إشارة إلى أن الجنة لا تنال إلّا بكرمه تعالى، وفيه أيضًا إشارة إلى أن طلب الجنة لا ينافي طلب الحق سبحانه، وترك الطلب مكابرة للربوبية.
٨٦ - وبعد أن طلب السعادة الدنيوية والأخروية لنفسه.. طلبها لأقرب الناس إليه؛ وهو أبوه، فقال: ﴿وَاغْفِرْ لِأَبِي﴾ ذنوبه؛ أي: اهد أبي ﴿إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ﴾؛ أي: من المشركين الضالين عن طريق الهداية، و ﴿كَانَ﴾: زائدة على مذهب سيبويه، وكان أبوه قد وعده أنه يؤمن به، فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه، كما قال في آية أخرى: ﴿وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ﴾.
واعلم (١): أن المغفرة مشروطة بالإيمان، وطلب المشروط يتضمن طلب شرطه، فيكون الاستغفار لأحياء المشركين عبارة عن طلب توفيقهم وهدايتهم للإيمان. روي عن سمرة بن جندب - رضي الله عنه - أنه قال: قال رسول الله - ﷺ -: "ما من رجل توضأ، فأسبغ الوضوء، ثم خرج من بيته يريد المسجد، فقال حين خرج: بسم الله ﴿الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (٧٨)﴾ إلّا هداه الله لصواب الأعمال، ﴿وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (٧٩)﴾ إلّا أطعمه الله من طعام الجنة، وسقاه من شرابها،
﴿وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (٨٠)﴾ إلّا شفاه الله تعالى، ﴿وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (٨١)﴾ إلّا أحياه الله حياة الشهداء، وأماته ميتة الشهداء، ﴿وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (٨٢)﴾ إلّا غفر الله خطاياه ولو كانت أكثر من زبد البحر، ﴿رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (٨٣)﴾ إلّا وهب له حكمًا، وألحقه بصالحي من مضى، وصالحي من بقي، ﴿وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (٨٤)﴾ إلّا كتب عند الله صديقًا، ﴿وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (٨٥)﴾ إلّا جعل الله له القصور والمنازل في الجنة"، وكان الحسن يزيد فيه ﴿واغفر لوالديّ كما ربّياني صغيرًا﴾، كذا في

(١) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon