أَثِيمٍ}؛ لكونه في معنى الجمع؛ أي: يلقى الأفاكون الإذن إلى الشياطين، فيتلقون منهم أوهامًا وأمارات لنقصان علمهم، فيضمون إليها بحسب تخيلاتهم الباطلة خرافات لا يطابق أكثرها الواقع ﴿وَأَكْثَرُهُمْ﴾؛ أي: أكثر الأفاكين؛ أي: كلهم ﴿كَاذِبُونَ﴾ فيما قالوه من الأقاويل، وليس محمد كذلك، فإنه صادق في جميع ما أخبر به من المغيبات، والأكثر هنا: بمعنى الكل، كما أن البعض يأتي بمعنى الكل في قوله تعالى: ﴿وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ﴾؛ أي: كله. والأظهر (١) أن الأكثرية باعتبار أقوالهم على معنى أن هؤلاء قلما يصدقون فيما يحكون عن الجني. والمعنى: وأكثر أقوالهم كاذبة، لا باعتبار ذواتهم حتى يلزم من نسبة الكذب إلى أكثرهم كون اْقلهم صادقًا على الإطلاق. اهـ "أبو السعود".
وقيل: الضمير في ﴿يُلْقُونَ﴾ عائد إلى ﴿الشَّيَاطِينُ﴾، والجملة (٢) في محل النصب حال من الضمير المستتر في ﴿تَنَزَّلُ﴾ العائد إلى ﴿الشَّيَاطِينُ﴾؛ أي: تنزل الشياطين على كل أفاك أثيم حالة كون الشياطين ملقين السميع؛ أي: ما يسمعونه من الملأ الأعلى إلى الكهان. ويجوز أن يكون المعنى: أن الشياطين يلقون السمع؛ أي: ينصتون إلى الملأ الأعلى؛ ليسترقوا منهم شيئًا من المغيبات، ويكون المراد بالسمع على الوجه الأول المسموع، وعلى الوجه الثاني نفس حاسة السمع.
ويجوز أن تكون جملة: ﴿وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ﴾ راجعة إلى ﴿الشَّيَاطِينُ﴾؛ أي: وأكثر الشياطين كاذبون فيما يلقونه إلى الكهنة مما يسمعونه من الملأ الأعلى، فإنهم يضمون إلى ذلك من عند أنفسهم كثيرًا من الكذب، كما جاء في الحديث: "تلك الكلمة الصادقة الكلمة التي يخطفها الجني فيقرها في أذن وليه، ويزيد معها أكثر من مئة كذبة". والكهنة أيضًا يفترون على الشياطين ما لم يوحوا إليهم.
فإن قلت: كيف يصح على الوجه الأول وصف الأفاكين بأن أكثرهم كاذبون
(٢) الشوكاني