الزاهدون.
وكان (١) الشعراء يتكلمون بالكذب والباطل، ويقولون: نحن نقول مثل ما قال محمد، وقالوا: الشعر، واجتمع إليهم غواة قومهم يستمعون أشعارهم حين يهجون محمدًا - ﷺ - أصحابه، وكانون يروون عنهم قولهم، فذلك قوله: ﴿يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ﴾ فهم الرواة الذين يروون هجاء المسلمين. وقيل: ﴿الْغَاوُونَ﴾ هم الشياطين. وقيل: هم السفهاء الضالون.
والشعراء (٢) عام يدخل فيه كل شاعر، والمذموم من يهجو ويمدح شهوة محرمة، ويقذف المحصنات، ويقول الزور وما لا يسوغ شرعًا. واعلم أن الشعر في نفسه ينقسم إلى أقسام، فقد يبلغ ما لا خير فيه منه إلى قسم الحرام، وقد يبلغ ما فيه خير منه إلى قسم الواجب.
قال في "الكواشي": لا شك أن الشعر كلام حسنه كحسنه، وقبيحه كقبيحه، ولا بأس به إذا كان توحيدًا، أو علمًا ينتفع به، أو حثًا على مكارم الأخلاق من جهاد وعبادة وحفظ فرج وغض بصر وصلة رحم وشبهه، أو مدحًا للنبي - ﷺ - والصالحين بما هو الحق، انتهى.
وقد وردت أحاديث في ذمه وذم الاستكثار منه، ووردت أحاديث أخر في إباحته وتجويزه:
فمنها: ما روى مسلم عن عمرو بن الشريد عن أبيه قال: ردفت رسول الله - ﷺ - يومًا، فقال: "هل معك من شعر أمية بن أبي الصلت شيء"؟ قلت: نعم. قال: "هيه". فانشدته بيتًا، فقال: "هيه"، ثم أنشدته بيتًا آخر، فقال: "هيه"، حتى أنشدته مئة بيت. وفي هذا دليل على العناية بحفظ الأشعار إذا تضمنت الحكم والمعاني المستحسنة شرعًا وطبعًا. وإنما استكثر النبي - ﷺ - من شعر أمية؛ لأنه كان حكيمًا، ألا ترى قوله - ﷺ -: "لقد كاد أمية بن أبي الصلت أن يسلم" حين سمع قوله:

(١) الخازن.
(٢) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon