قوله تعالى: ﴿وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه، لما ذكر في (١) سابق الآيات أنه سخر لسليمان الجن والإنس والطير، وجعلهم جنودًا له.. ذكر هنا أنه احتاج إلى جندي من جنوده؛ وهو الهدهد، فبحث عنه فلم يجده، فتوعده بالعذاب أو القتل إلا إذا أبدى له عذرًا يبرئه، فحضر بعد قليل وقص عليه خبر مملكة باليمن من أغنى الممالك وأقواها، تحكمها امرأة هي بلقيس ملكة سبأ، ووصف له ما لها من جلال الملك وأبهته، وأنها وقومها يعبدون الشمس لا خالق الشمس العلم بكلِّ شيء في السموات والأرض، والعليم بما نخفي وما نعلن، والعليم بالسر والنجوى، وهو رب العرش العظيم.
قوله تعالى: ﴿قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (٢٧)...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى، لما ذكر أن الهدهد أبدى المعاذير لتبرئة نفسه.. أردف ذلك بإجابة سليمان عن مقالة الهدهد، ثم أمره بتبليغ كتاب منه إلى ملكة سبأ، والتنس جانبًا ليستمع ما يدور من الحديث بينها وبين خاصَّتها.
قوله تعالى: ﴿قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه، لما ذكر فيما سلف أن الهدهد حينما ألقى الكتاب أحضرت بطانتها وأولي الرأي لديها، وقرأت عليهم نص الكتاب.. بين هنا أنها طلبت إليهم إبداء آرائهم فيما عرض عليهم من هذا الخطب المدلهم والحادث الجلل حتى ينجلي لهم صواب الرأي فيما تعمل ويعملون؛ لأنها لا تريد أن تشيد بالأمر وحدها، فقلبوا وجوه الرأي واشتد الحوار بينهم، وكانت خاتمة المطاف أن قالوا: الرأي لَدَيْنَا القتال، فإنا قوم أولو بأس ونجدةٍ، والأمر مفوض إليك فافعلي ما بدا لك، وقالت: إني أرى أن عاقبة الحرب الدمار والخراب وصيرورة العزيز ذليلًا، وإني أرى أن نهاديه ونرسل إليه بهدية، ثم ننظر ماذا يكون رده عَلَّه

(١) المراغي.


الصفحة التالية
Icon