أوقاتهما.. أتى بهما فعلين، ولمَّا كان الإيقان بالآخرة أمرًا ثابتًا مطلوبًا دوامه.. أتى به جملة اسمية، وجعل خبرها مضارعًا؛ للدلالة على أن إيقانهم يستمر على سبيل التجدد. اهـ
ومعنى الآية: أي (١) إن المؤمنين حق الإيمان هم الذين يعملون الصالحات، فيقيمون الصلاة المفروضة على أكمل وجوهها، ويؤدون الزكاة التي تطهير أموالهم وأنفسهم من الأرجاس، ويوقنون بالمعاد إلى ربهم، وأن هناك يومًا يحاسبون فيه على أعمالهم خيرها وشرها، فيذلون أنفسهم في طاعته رجاء ثوابه، وخوف عقابه، وليسوا كاولئك المكذبين الذين لا يبالون أحسنوا أم أساؤوا، أطاعوا أم عصوا؛ لأنهم إن أحسنوا لا يرجون ثوابًا وإن أساؤوا لم يخافوا عقابا.
٤ - ثم لما ذكر سبحانه أهل السعادة ذكر بعدهم أهل الشقاوة، فقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ﴾ ولا يصدقون بالبعث بعد الموت؛ وهم الكفار. ﴿زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ﴾ القبيحة حيث جعلناها مشتهاة للطبع محبوبة للنفس، كما ينبىء عنه قوله عليه السلام: "حفَّت النار بالشهوات"؛ أي: جعلت محفوفة ومحاطة بالأمور المحبوبة المشتهاة.
واعلم (٢): أن كل مشيئة وتزيين وإضلال ونحو ذلك منسوبة إلى الله تعالى بالأصالة، وإلى غيره بالتبعية. وقال الزمخشري: فإن قلت: كيف أسند تزيين أعمالهم إلى ذاته هنا، وأسنده إلى الشيطان في قوله: ﴿وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ﴾؛.. قلت: بين الإسنادين فرق، وذلك أن إسناده إلى الشيطان حقيقة، وإسناده إلى الله مجاز. اهـ وهذا تأويل منه على طريق الاعتزال.
﴿فَهُمْ يَعْمَهُونَ﴾؛ أي: يترددون في ضلالتهم، كما يكون حال الضال عن الطريق، وقيل: أي: يتحيرون ويترددون على التجدد والاستمرار في الاشتغال بها، والانهماك فيها من غير ملاحظة لما يتبعها من الضرر والعقوبة، لا يهتدون
(٢) روح البيان.