وخصوصًا تلك البقعة التي كلم الله فيها موسى.
وقرأ أبيّ وابن عباس ومجاهد: ﴿أن بوركت النار ومن حولها﴾ أو مصدرية؛ أي: نودي موسى بأن بورك من في النار ومن حولها، أو مخففة من الثقيلة؛ أي: نودي بأنه بورك، والضمير ضمير الشأن. وقيل (١): المراد بـ ﴿مَنْ فِي النَّار﴾ هو موسى عليه السلام لقربه منها. و ﴿مَنْ حَوْلَهَا﴾ الملائكة؛ أي: نودي ببركة من في النار؛ أي: بتطهيره مما يشغل قلبه عن الله سبحانه، وتخليصه للنبوة والرسالة؛ أي: ناداه الله سبحانه وتعالى بأنا قدسناك يا موسى، واخترناك للرسالة، وهذه تحية من الله سبحانه لموسى، وتكرمة له، وبارك يتعدَّى بنفسه، كما هنا، وبـ "على" كما في قوله: ﴿وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ﴾ وبـ ﴿في﴾ كما في قوله: ﴿وَبَارَكَ فِيهَا﴾.
وفي ابتداء (٢) خطاب الله سبحانه موسى بذلك عند مجيئه بشارة بأنه قد قضي له أمر عظيم ديني تنتشر بركاته في أقطار الأرض المقدسة، وهو تكليمه تعالى إياه، واستنباؤه له وإظهار المعجزات على يده، وكل موضع يظهر فيه مشاهدة الحق ومكالمته يكون ذا بركة، ألا ترى إلى قول القائل:

إِذَا نَزَلَتْ سَلْمَى بِوَادٍ فَمَاؤُهُ زُلَالٌ وَسِلْسَالٌ وَجَنَّاتُهُ وَرْدُ
وقوله: ﴿وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ من تمام ما نودي به؛ لئلا يتوهم من سماع كلامه تشبيهًا، وللتعجيب من عظمة ذلك الأمر. وعبارة "المراح" (٣) هنا: وقوله: ﴿وَسُبْحَانَ اللَّهِ﴾ من كلام الله مع موسى، نزه الله تعالى نفسه عما لا يليق به في ذاته وحكمته؛ ليكون ذلك مقدمة في صحة رسالة موسى عليه السلام، وإعلامًا بأن ذلك الأمر مكونه رب العالمين، ولدفع ما قد يتوهمه بحسب الطبع البشري البخاري على العادة الخلقية من أن الله سبحانه المتكلم به في مكان، أو في جهة. ومن أن الكلام الذي يسمعه في ذلك المكان بحرف وصوت حادث ككلام
(١) المراح.
(٢) روح البيان.
(٣) المراح.


الصفحة التالية
Icon