بألسنتهم، وأنكروا دلالتها على صدقه، وأنه رسول من ربه، لكنهم علموا في قرارة نفوسهم أنها حق من عنده، فخالفت ألسنتهم قلوبهم ظلمًا للآيات، إذ خطوها عن مرتبتها العالية، وسموها سحرًا ترفعًا عن الإيمان بها، كما قال في آية أخرى: ﴿فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ﴾.
والخلاصة: أنهم تكبروا عن أن يؤمنوا بها، وهم يعلمون أنها من عند الله يسبحانه وتعالى. ﴿فَانْظُرْ﴾ يا محمد وفكر ﴿كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾ في الأرض وهو الإغراق في الدنيا والإحراق في الآخرة، أي فانظر أيها الرسول ما آل إليه أمر فرعون وقومه من الإغراق على الوجه الذي فيه العبر للظالمين ومن إخراجهم من الجنات والعيون والزروع والمقام الكريم.
وفي هذا تحذير للمكذبين بمحمد - ﷺ - الجاحدين لما جاء به من عند ربه أن يصيبهم مثل ما أصاب أولئك؛ لعلهم يقلعون عن عنادهم واستكبارهم حتى لا تنزل بهم القوارع، ويأخذهم العذاب من حيث لا يشعرون، فمن قدر على إهلاك فرعون كان قادرًا على إهلاك من هو على صفته، وذلك إلى يوم القيامة، فإن جلال الله سبحانه دائم للأعداء، كما أن جماله باق للأولياء، مستمر في كل عصر وزمان، فعلى العاقل أن يتعظ بحال غيره، ويترك الأسباب المؤدية إلى الهلاك مثل الظلم والعلو الذي هو من صفات النفس الأمارة، ويصلح حاله بالعدل والتواضع، وغير ذلك مما هو من ملكات القلب.
قصة داود وسليمان عليهما السلام
١٥ - ولما فرغ سبحانه من قصة موسى شرع في قصة داود بن إيشا وقصة ابنه سليمان عليهما السلام، وهذه القصص وما قبلها وما بعدها هي كالبيان والتقرير لقوله: ﴿وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (٦)﴾ فقال: ﴿و﴾ عزتي وجلالي. ﴿لَقَدْ آتَيْنَا﴾ وأعطينا ﴿دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ﴾ ابنه عليهما السلام ﴿عِلْمًا﴾؛ أي: طائفة عظيمة من العلم، فعلمنا داود صنعة الدروع ولبوس الحرب، وعلمنا سليمان منطق الطير والدواب وتسبيح الجبال ونحو ذلك، مما لم نؤته أحدًا ممن قبلهما، فشكرا الله سبحانه على ما أولاهما من منته ﴿وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا﴾ بما آتانا