﴿وَأُوتِينَا﴾؛ أي: أعطينا ﴿مِنْ كُلِّ شَيْءٍ﴾ مما نحتاج إليه في تدبير الملك، ويعيننا في ديننا ودنيانا، كالعلم والحكمة، والنبوة والمال، وتسخير الجن والإنس، والطير والرياح، والوحوش والدواب، وكل ما بين السماء والأرض. وهذا أسلوب يراد به الكثرة من أي شيء، كما يقال: فلان يقصده كل أحد، ويعلم كل شيء، وجاء سليمان بنون العظمة، والمراد نفسه بيانًا لحاله من كونه مطاعًا لا يخالف، لا تكبرًا وتعظيمًا لنفسه، وسيأتي في مقال الهدهد عن بلقيس: ﴿وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ﴾.
فإن قلت: كيف (١) سوى بينه في قوله: ﴿مِنْ كُلِّ شَيْءٍ﴾ وبين بلقيس في قول الهدهد ﴿وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ﴾؟
قلتُ: الفرق بينهما أنها أوتيت من كل شيء من أسباب الدنيا فقط؛ لعطف ذلك على تملكهم، وسليمان أوتي من كل شيء من أسباب الدين والدنيا؛ لعطف ذلك على المعجزة؛ وهي: ﴿مَنْطِقَ الطَّيْرِ﴾
قال مقاتل: كان سليمان عليه السلام جالسًا إذ مر به طير يصوت، فقال لجلسائه: هل تدرون ما يقول هذا الطائر الذي مر بنا؟ قالوا: أنت أعلم. قال سليمان: إنه قال لي: السلام عليك أيها الملك المسلط على بني إسرائيل، أعطاك الله الكرامة، وأظهرك على عدوك، إني منطلق إلى فروخي، ثم أمر بك الثانية. وإنه سيرجع إلينا الثانية، فانظروا إلى رجوعه، قال: فنظر القوم إذ مر بهم، فقال: السلام عليك أيها الملك، إن شئت إيذن لي كيما أكتسب على فروخي حتى أشبعها ثم آتيك، فتفعل ما شئت، فأخبرهم سليمان بما قال، فأذن له.
﴿إِنَّ هَذَا﴾ المذكور من التعليم والإيتاء ﴿لَهُوَ الْفَضْلُ﴾ والإحسان من الله تعالى ﴿الْمُبِينُ﴾؛ أي: الواضح الذي لا يخفى على أحد. وفي "الوسيط": لهو الزيادة الظاهرة على ما أعطي غيرنا، قاله على سبيل الشكر والحمد، كما قال

(١) فتح الرحمن.


الصفحة التالية
Icon