خشية أن يتمنين مثل ما أعطيت ويفتتن بالدنيا، ويشتغلن بالنظر إلى ملكك عن التسبيح والذكر، فلما تكلمت مع سليمان مضت مسرعة إلى قومها، فقالت: هل عندكم من شيء نهديه إلى نبي الله؟ قالوا: وما قدر ما نهدي له، والله ما عندنا إلا نبقة واحدة. قالت: حسنة ائتوني بها، فأتوها بها، فحملتها بفيها، وانطلقت تجرها، وأمر الله الريح فحملتها وأقبلت تشق الجن والإنس والأنبياء والعلماء على البساط حتى وقفت بين يديه، فوضعت تلك النبقة من فيها في فيه، وأنشأت تقول:
أَلَمْ تَرَنَا نَهْدِيْ إِلَى اللهِ مَالَهُ | وَإِنْ كَانَ عَنْهُ ذَا غِنًى فَهْوَ قَابِلُهْ |
وَلَوْ كَانَ يُهْدَى لِلْجَلِيْلِ بِقَدْرِهِ | لأَقْصَرَ عَنْهُ الْبَحْرُ يَوْمًا وَسَاحِلُهْ |
وَلَكِنَّنَا نَهْدِيْ إِلَى مَنْ نُحِبُّهُ | فَيَرْضَى بِهَا عَنَّا وَيُشْكَرُ فَاعِلُهْ |
وَمَا ذَاكَ إِلَّا مِنْ كَرِيْمِ فِعَالِهِ | وِإِلَّا فَمَا فِيْ مُلْكِنَا مَا يُشَاكِلُهْ |
وحكى الزمخشري عن أبي حنيفة - رحمه الله -: أنه وقف على قتادة، وهو يقول: سلوني، فأمر أبو حنيفة شخصًا أن يسأل قتادة عن نملة سليمان، هل كانت ذكرأ أو أنثى؟ فلم يجب قتادة، فقيل لأبي حنيفة في ذلك، فقال: كانت أنثى، واستدل على ذلك بلحاق علامة التأنيث بالفعل المسند إليه. اهـ. ورده بعضهم؛ لأنه يصح أن يقال في الذكر: قالت نملة على إرادة الواحدة.