فإنها تملك اليمن، وتحت يدها أربع مئة ملك، كل ملك على كورة، مع كل ملك أربعة آلاف مقاتل، ولها ثلاث مئة وزير يدبرون ملكها، ولها اثنا عشر ألف قائد، مع كل قائد مئة ألف مقاتل، وذهب معه لينظر إلى بلقيس وملكها، فما رجع يعفور إلا بعد العصر،
٢١ - فلما دخل العصر سأل سليمان الإنس والجن والشياطين عن الماء، فلم يعلموا، فتفقد الهدهد فلم يره فدعا عريف الطير؛ وهو النسر، فسأله عن الهدهد، فقال: أصلح الله الملك ما أدري أين هو، وما أرسلته إلى مكان! فغضب سيلمان عند ذلك، وقال: ﴿لَأُعَذِّبَنَّهُ﴾؛ أي: والله لأعذبن الهدهد بسبب غيبته فيما لم آذن فيه، ﴿عَذَابًا شَدِيدًا﴾؛ أي: عذابًا موجعًا بنتف ريشه وإلقائه في الشمس، أو حيث النمل تأكله، أو جعله مع ضده في قفص، فهذا عذاب الطير، ﴿أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ﴾ بالسكين، ليعتبر به أبناء جنسه، ﴿أَوْ لَيَأْتِيَنِّي﴾ الهدهد ﴿بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ﴾؛ أي: بحجة تبين عذره، فلا أذبح ولا أعذب، يشير (١) إلى أن حفظ المملكة يكون بكمال السياسة، وكمال العدل، فلا يتجاوز عن جرم المجرمين، ويقبل منهم العذر الواضح بعد البحث عنه، والحلف في الحقيقة على أحد الأولين على عدم الثالث، فكلمة ﴿أَو﴾ بين الأولين للتخيير، وفي الثالث للترديد بينه وبينهما.
وفيه (٢): دليل على الإغلاظ على العاصين وعقابهم، وبدأ أولًا بأخف العقابين؛ وهو التعذيب، ثم أتبعه بالأشد؛ وهو إذهاب المهجة بالذبح، وأقسم على هذين؛ لأنهما من فعله، وأقسم على الإتيان بالسلطان وليس من فعله لما نظم الثلاثة في الحكم بـ ﴿أَو﴾، كأنه قال: ليكونن أحد الثلاثة.
ثم دعا العقاب (٣)؛ وهو أشد الطير طيرانًا، فقال له: على بالهدهد الساعة، فارتفع العقاب في الهواء، فالتفت يمينًا وشمالًا، فرأى الهدهد من نحو اليمن، فانقض العقاب نحوه، يريده، وعلم الهدهد أن العقاب يقصده بسوء، فقال: بحق الله الذي قواك، وأقدرك علي، وإلا ما رحمتني، ولم تتعرض لي بسوء، فتركه

(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.
(٣) المراح.


الصفحة التالية
Icon