العرش العظيم، فكل عرش وإن عظم فهو دونه فأفردوه بالطاعة، ولا تشركوا به شيئًا.
٢٧ - ولما ذكر الهدهد (١) قصة بلقيس.. لم يتغير سليمان عليه السلام لذلك، ولم يستفزه الطمع لما سمع من ملكها، كعادة الملوك في الطمع في ملك غيرهم، فلما ذكر الهدهد عبادة بلقيس وقومها غير الله سبحانه اغتاظ سليمان، وأخذته حمية الدين، وجعل يبحث عن تحقق ذلك. و ﴿قَالَ﴾؛ أي: سليمان للهدهد، استئناف بياني، كأنه قيل: فما فعل سليمان بعد فراغ الهدهد من كلامه، فقيل: قال: ﴿سَنَنْظُرُ﴾ فيما أخبرتنا، وسنتعرف في مقالتك بالتجربة من النظر بمعنى التأمل، والسين للتأكيد. ﴿أَصَدَقْتَ﴾ فيما قلت ﴿أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ فيه، هذه الجملة استفهامية في محل نصب على أنه مفعول ﴿سَنَنْظُرُ﴾، و ﴿أَمْ﴾ هي المتصلة، وقوله: ﴿أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ أبلغ من قوله: أم كذبت؛ لأن المعنى من الذين اتصفوا بالكذب وصار خلقًا لهم؛ أي: قال له: سنختبر مقالك ونتعرف حقيقته بالامتحان، أصادق أنت فيما تقول أم كاذب فيه؛ لنتخلص من الوعيد.
وفي هذا (٢): دلالة على أن خبر الواحد، وهو الحديث الذي يرويه الواحد والاثنان فصاعدًا ما لم يبلغ حد الشهرة والتواتر لا يوجب العلم، فيجب التوقف فيه على حد التجويز، وفيه دليل على أن لا يطرح، بل يجب أن يتعرف هل هو صدق أو كذب، فإن ظهرت أمارات صدقه قبل، وإلا لم يقبل.
٢٨ - فكتب سليمان - أي: في المجلس أو بعده - كتابًا إلى بلقيس، فقال فيه: من عبد الله سليمان بن داود إلى ملكة سبأ بلقيس: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ السلام على من أَتبع الهدى، أما بعد: فلا تعلوا علي وائتوني مسلمين، ثم طبعه بالمسك، وختمه بخاتمه المنقوش على فصه اسم الله الأعظم، ودفعه إلى الهدهد فأخذه بمنقاره، أو علقه بخيط، وجعل الخيط في عنقه، وقال: ﴿اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا﴾؛ أي: اذهب بهذا الكتاب، فالباء للتعدية، وتخصيصه بالرسالة دون سائر
(٢) روح البيان.