﴿وَمَنْ شَكَرَ﴾ فضل الله سبحانه وإحسانه إليه ﴿فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ﴾؛ لأنه غني عنه وعن شكره؛ أي: لغرض نفسه ونفعها، فإن نفع شكره يعود إليه؛ وهو أن يخرج عن علقة وجوب الشكر عليه، ويستوجب به تمام النعمة ودوامها؛ لأن (١) الشكر قيد النعمة الموجودة، وصيد النعمة المفقودة.
﴿وَمَنْ كَفَرَ﴾؛ أي: ترك شكر الله سبحانه على فضله وإحسانه إليه بأن لم يعرف النعمة، ولم يؤد حقها، فإن مضرة كفره ووباله عليه، لا يضر الله سبحانه كفرانه. ﴿فَإِنَّ رَبِّي﴾؛ أي: لأن ربي سبحانه ﴿غَنِيٌّ﴾ عن شكره، لا يضره ذلك الكفران ﴿كَرِيمٌ﴾ بالإفضال عليه، لا يقطع نعمه عنه بسبب إعراضه عن الشكر وكفران النعمة. قال الواسطي: ما كان منا من الشكر فهو لنا، وما كان منه من النعمة فهو إلينا، وله المنة والفضل علينا.
قال في "المفردات": المنحة والمحنة جميعًا بلاء، فالمحنة مقتضية للصبر، والمنحة مقتضية للشكر. والقيام بحقوق الصبر أيسر من القيام بحقوق الشكر، فصارت المنحة أعظم البلاءين، وبهذا النظر قال عمر - رضي الله عنه -: بلينا بالضراء فصبرنا، وبلينا بالسراء فلم نصبر، ولهذا قال أمير المؤمنين - رضي الله عنه -: من وسع عليه دنياه فلم يعلم أنه قد مكر به فهو مخدوع عن عقله. وقال الواسطي أيضًا في الشكر: إبطال رؤية الفضل كيف يوزاي شكر الشاكرين فضله، وفضله قديم وشكرهم محدث. اهـ.
قال في "الأسئلة المقحمة": في الآية دليل على إثبات الكرامات من وجهين:
أحدهما: أن العفريت من الجن لما ادعى إحضاره قبل أن يقوم سليمان من مقامه.. لم ينكر عليه سليمان، بل قال: أريد أعجل من ذلك، فإذا جاز أن يكون مقدورًا لعفريت من الجن.. فكيف لا يكون مقدورًا لبعض أولياء الله تعالى.