يقدروا عليه، وعالجوا كسره فلم يقدروا عليه، فنظرت آسية، فرأت نورًا في جوف التابوت لم يره غيرها، فعالجته ففتحته، فإذا هي بصبيٍّ صغير، وإذا نور بين عينيه، فألقى الله محبته في قلوب آسية وفرعون، فأخرجوه من التابوت، وعمدت بنت فرعون إلى ريقه فلطَّخت به برصها، فبرئت في الحال، فقبلته وضمَّته إلى صدرها، فقالت الغواة من قوم فرعون: أيها الملك إنا نظن أن هذا هو الذي نحذر منه، رُمي في البحر خوفًا منك، فهم فرعون بقتله، فاستوهبته آسية من فرعون، فوهبه لها، فترك قتله وتبنته، فقيل لآسية: سمِّيه، فقالت: سمَّيته موشى - بالشين المعجمة - لأنا وجدناه في الماء والشجر، فإن معنى مو: ماء، ومعنى شا: شجر، فأصل موسى - بالمهملة - موشى بالمعجمة، وذلك قوله تعالى: ﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ﴾ والالتقاط إصابة الشيء من غير طلب. والمراد بآل فرعون هم الذين أخذوا التابوت الذي فيه موسى من البحر. والفاء عاطفة على محذوف، تقديره: فألقته أم موسى في اليم بعدما جعلته في التابوت، فالتقطه من وجده من آل فرعون.
قال الزجاج (١): كان فرعون من أهل فارس من اصطخر اهـ؛ أي: فأخذ موسى أهل فرعون - يعني جواريه - من بين الماء والشجر يوم الاثنين صبيحة الليل الذي ألقي فيه التابوت، أخذ اللقطة التي يُعنى بها، وتصان عن الضياع.
روي أن الموج أقبل به يرفعه مرة، ويخفضه أخرى، حتى أدخله بين الأشجار عند بيت فرعون، فخرج جواري امرأته إلى الشط فوجدن التابوت فأدخلنه إليها، وظنن أن فيه مالًا، فلما فتحنه وجدن فيه غلامًا، فوقعت عليها رحمته فأحبته حبًا شديدًا، ولما أخبرت فرعون به أراد أن يذبحه، إذ قال: إني أخات أن يكون هذا من بني إسرائيل، وأن يكون هلاكنا على يديه، فلم تزل تكلمه حتى تركه لها.
ثم ذكر سبحانه أن العاقبة كانت ضد ما قصدت، فقال: ﴿لِيَكُونَ لَهُمْ﴾