والخلاصة (١): أن الله قيَّضهم لالتقاطه ليجعله لهم عدوًا وحزنًا، ويستبين بطلان حذرهم منه، وهذا الذي ذكرنا باختصار ما عليه جمهرة المفسرين والبيانيين، ولا تغتر بقول من شذَّ بإنكار وقوع المجاز في القرآن، مع كونه نزل بلسان عربي مبين، والكلام العربي يجري على طريقتين: إما على الحقيقة، وإما على المجاز، والقرآن إنما نزل على قانون لغتهم لكون من أُنزل عليه عربيًا فصيحًا.
قلت: ويحتمل كون الكلام هنا على حذف، بدليل ما سيأتي، فتكون اللام على معناها الأصلي، أعني لام كي، فلا مجاز، والتقدير: فالتقطه آل فرعون ليكون لهم ولدًا وقرة عين، فصار لهم عدوًا وحزنًا، ومعنى عداوته إياهم: مخالفته لهم في دينهم، وحملهم على الحق، وحزنهم بزوال ملكهم على يديه، بالغرق بعد أن يظهر فيهم الآيات، ولم يستجيبوا لدعوته، فحلت بهم القوارع، كما هي سنة الله تعالى في خلقه المكذبين للرسل.
وقرأ الجمهور (٢): ﴿وَحَزَنًا﴾ بفتح الحاء والزاي، وهي لغة قريش، وقرأ ابن وثاب وطلحة والأعمش وحمزة والكسائي وابن سعدان: بضم الحاء وإسكان الزاي، واختار القراءة الأولى أبو عبيدة وأبو حاتم، وهما لغتان، كالعدم والعُدْم، والرشد والرُشْدِ، والسَّقَم والسُّقْم.
ثم بيَّن أن القتل الذي يفعله فرعون وهامان وجنودهما لبني إسرائيل حمق وطيش، فقال: ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ﴾ تعليل لما قبله، أو اعتراض لقصد التأكيد لاعتراضه بين المعطوف الذي هو: ﴿وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ﴾ وبين المعطوف عليه الذي هو: ﴿فَالْتَقَطَهُ﴾؛ أي: كانوا (٣) خاطئين فيما كانوا عليه من الكفر والظلم، فعاقبهم الله تعالى بأن رُبّي عدوهم، ومن هو سبب هلاكهم على يديه، أو كانوا خاطئين في كل ما يأتون، وما يذرون، فليس ببدع
(٢) البحر المحيط.
(٣) المراح.