وقرأ فضالة بن عبيد الأنصاري (١)، والحسمن، ويزيد بن قطيب، وأبو زرعة بن عمرو بن جرير، ومحمد بن السميقع، وأبو العالية، وابن محيصن: ﴿فزعًا﴾ بالفاء والزاي والعين المهملة من الفزع؛ أي: خائفًا وجلًا.
وقرأ ابن عباس: ﴿قرعًا﴾ بالقاف المفتوحة والراء المهملة المكسورة والعين المهملة، من قرع رأسه إذا انحسر شعره، كأنه خلا من كلا شيء إلا من ذكر موسى، وقيل: ﴿قرعًا﴾ من القارعة، وهي الهم العظيم، وقرأ بعض الصحابة ﴿فزغًا﴾ بالفاء المكسورة والزاي الساكنة والغين المنقوطة، ومعناه ذاهبًا هدرًا تالفًا من الهم والحزن، وقرأ الخليل بن أحمد ﴿فُرُغًا﴾ بضم الفاء والراء.
﴿إِنْ﴾؛ أي: إنها، فإن شأنية ﴿كَادَتْ﴾؛ أي: قاربت (٢) من ضعف البشرية وفرط الاضطراب ﴿لَتُبْدِي بِهِ﴾؛ أي: لتظهر بموسى، وأنه ابنُها، وتُفشي سرها، وأنها ألقته في النيل، قال في "كشف الأسرار": الباء زائدة؛ أي: تُبديه، أو المفعول مقدر؛ أي: تُبدي القول به؛ أي: بسبب موسى.
﴿لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا﴾ أي: شددنا عليه بالصبر والثبات بتذكير ما سبق من الوعد، وهو رده إليها، وجعله من المرسلين، ﴿لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾؛ أي: من المصدقين بما وعدها الله بقوله: ﴿إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ﴾ ولم يقل من المؤمنات تغليبًا للذكور، وفيه إشارة إلى أن الإيمان من مواهب الحق، إذ المبني على الموهبة وهو الوحي أولًا، ثم الربط بالتذكير ثانيًا موهبة، وجواب لولا محذوف، تقديره: لولا أن ربطنا على قلبها لأبدت به، واللام في قوله: ﴿لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ متعلق بربطنا، وهذا شبيه بقوله: ﴿وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾.
والمعنى: أي أنها حين سمعت بوقوعه في يد فرعون طار عقلها شُعاعًا لما دهمها من الجزع والحزن، وتوقع الهلاك الذي لا مندوحة منه جريًا على عادته مع أنداده ولداته، ولولا أن عصمناها، وثبتنا قلبها لأعلنت أمرها، وأظهرت أنه

(١) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon