وهو يعلله، أو في يد آسية فدفعه إليها، فلما وجد ريحها استأنس بها، والتقم ثديها، وجعل يمصه حتى امتلأت جنباه ريًا، فقال فرعون: من أنت منه، فقد أبى كل ثدي إلا ثديك؟ فقالت: إني امرأة طيبة الريح طيبة اللبن، لا أوتى بصبي إلا قبلني، فدفعه إليها، فقالوا: أقيمي عندنا، فقالت: لا أقدر على فراق بيتي، إن رضيتم أن أكفله في بيتي وإلا فلا حاجة لي به، وأظهرت عدم الرغبة فيه نفيًا للتهمة، فرضوا بذلك، فرجعت به إلى بيتها، فلم يبق أحد من آل فرعون إلا أهدى إليها وأتحفها بالذهب والجواهر، فأبدلها الله بعد خوفها أمنًا، وهي موفورة العز والجاه، والرزق الواسع.
١٣ - وقد جاء في الأثر: "مثل الذي يعمل الخير ويحتسب كمثل أم ترضع ولدها وتأخذ أجرها"، وإلى هذا أشار سبحانه بقوله: ﴿فَرَدَدْنَاهُ﴾؛ أي: فرددنا موسى، وصرفناه ﴿إِلَى أُمِّهِ﴾ ووالدته ﴿كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا﴾ وتطيب نفسها بوصول ولدها إليها، وتربيتها له في بيتها، ﴿وَلَا تَحْزَنَ﴾ على موسى بفراقه ﴿وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ﴾؛ أي: أن جميع ما وعده من رده إليها، وجعله من المرسلين ﴿حَقٌّ﴾ ثابت لا خلف فيه بمشاهدة بعضه، وقياس بعضه عليه.
﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ﴾؛ أي: أكثر آل فرعون ﴿لَا يَعْلَمُونَ﴾ بذلك، بل كانوا في غفلة عن القدر وسر القضاء، أو أكثر الناس لا يعلمون أن المقصود الأصلي من رده إليها علمها بأن وعد الله حق، لا خُلف فيه بمشاهدة بعضه، وقياس بعضه عليه، فهذا هو الغرض المديني، وما سواه من قرة العين، وذهاب الحزن تبع، فمكث موسى عند أمه إلى أن فطمته، وأمر فرعون بإجراء أجرتها لكل يوم دينار، فأتت به فرعون، واستمر عنده، يأكل من مأكوله، ويشرب من مائه، ويلبس من ملبوسه إلى أن كمل.
١٤ - ﴿وَلَمَّا بَلَغَ﴾ موسى ﴿أَشُدَّهُ﴾؛ أي: كمال قوته الجسمانية، وهو ما بين ثماني عشرة سنة إلى ثلاثين سنة، وهو (١) مفرد على بناء الجمع، كما سبق في سورة