﴿فَغَفَرَ لَهُ﴾؛ أي: فستره عن الوصول إلى فرعون ﴿إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ﴾؛ أي: المبالغ في ستر ذنوب عباده ﴿الرَّحِيمُ﴾؛ أي: المبالغ في رحمتهم بستر ذنوبهم وهذا خلاف الظاهر، فإن موسى عليه السلام ما زال نادمًا على ذلك خائفًا من العقوبة بسببه، كم ذُكر اشتكاؤه من ذلك في حديث الشفاعة الصحيح.
وقيل: إن هذا كان قبل النبوة، وقيل: كان ذلك قبل بلوغه سن التكليف، وإنه كان إذ ذاك في اثنتي عشرة سنة، وكل هذه التأويلات البعيدة محافظة على ما تقرر من عصمة الأنبياء، ولا شك أنهم معصومون من الكبائر، والقتل الواقع منه لم يكن عن عمد فليس بكبيرة؛ لأن الوكزة في الغالب لا تقتل.
وفي "فتح الرحمن" (١): إن قلت: كيف جعل موسى قتله القبطي الكافر من عمل الشيطان، وسماه ظلمًا لنفسه، واستغفر منه؟
قلت: أما جعله ذلك من عمل الشيطان، فلكونه كان الأولى له تأخير قتله إلى زمن آخر، فلما عجله ترك الأولى المندوب إليه، فجعله من عمل الشيطان، ولم يكن قصد موسى قتل القبطي، إنما كان يريد دفع أذاه عن الإسرائيلي بدليل أنه لم يضربه بشيء يقتل، وإنما ضربه بجمع يده، بلكمة كانت هي القاضية، فلذلك ندم على فعله، واستغفر ربه؛ لأن في قتل القبطي فتنة، والشيطان تفرحه الفتنة، فلذلك نسبه إلى الشيطان.
وأما تسميته ظلمًا فمن حيث إنه حرم نفسه الثواب بترك المندوب، أو من حيث أنه قال ذلك على سبيل الانقطاع إلى الله، والاعتراف بالتقصير عن القيام بحقوقه، وإن لم يكن ثمة ذنب، وأما استغفاره من ذلك فمعناه اغفر لي ترك ذلك المندوب انتهى.
١٧ - ثم ذكر أنه شكر ربه على هذه النعمة التي أنعم بها عليه، فقال: ﴿قَالَ﴾ موسى يا ﴿رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ﴾ إما قسم محذوف الجواب، و ﴿ما﴾ إما مصدرية أو موصولة؛ أي: أقسم عليك بإنعامك علي بالمغفرة لأتوبن ﴿فَلَنْ أَكُونَ﴾ بعد

(١) فتح الرحمن.


الصفحة التالية
Icon