بين الناس اختلاف وفرقة في دين أو ملك أو غيرهما، وإنما قال موسى هذا عند اقتتال الرجلين، ودعا به ابن عمر - رضي الله عنهما - عند قتال علي ومعاوية، كذا في "كشف الأسرار".
١٨ - ﴿فَأَصْبَحَ﴾ موسى؛ أي: دخل في الصباح، فأصبح إما تامة؛ أي: دخل في الصباح حالة كونه ﴿فِي الْمَدِينَةِ﴾ التي قتل فيها القبطي، وفي هذا إشارة إلى أن دخول المدينة والقتل كانا بين العشاءين، حين اشتغل الناس بأنفسهم، كما ذهب إليه البعض، حال كونه ﴿خَائِفًا﴾ على نفسه من آل فرعون أن يقتلوه بسبب القبطي ﴿يَتَرَقَّبُ﴾؛ أي: يتوقع المكروه، وينتظر متى يؤخذ به. وهو الاستفادة منه، والترقب: انتظار المكروه، أو ينتظر الأخبار، وما يقال فيه، وقال ابن عطاء (١): خائفًا على نفسه، يترقب نصرة ربه، وفيه دليل على أنه لا بأس بالخوف من دون الله، بخلاف ما يقوله بعض الناس: إنه لا يسوغ الخوف من دون الله تعالى.
وإما ناقصة، والمعنى عليه؛ أي: فصار موسى عليه السلام في تلك المدينة التي قتل فيها القبطي خائفًا من جنايته التي جناها، بقتله النفس التي قتلها، وصار يتجسس الأخبار، وشأن عما يتحدث به الناس من أمره وأمر القبطي، وما هم بالغوه به، وداخلته الهواجس خيفة أن يقتلوه به ﴿فَإِذَا﴾ للمفاجأة؛ أي: فإذا الإسرائيلي ﴿الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ﴾؛ إي: طلب من موسى النصرة قبل هذا اليوم على دفع القبطي المقتول ﴿يَسْتَصْرِخُهُ﴾؛ أي: يستغيثه من بعد؛ أي: يستغيث موسى بعالي الصوت من بعيد من الصراخ، وهو الصوت أو شديده كما في "القاموس".
والمعنى: إن الإسرائيلي الذي خلَّصه موسى بالأمس يستغيث به الآن ثانيًا من قبطي آخر، فـ ﴿قَالَ لَهُ﴾ أي: لذلك الإسرائيلي المستغيث ثانيًا على قبطي آخر؛ أي: قال له ﴿مُوسَى إِنَّكَ﴾ أيها المستغيث ﴿لَغَوِيٌّ﴾؛ أي: لذو غواية وضلال، وهو فعيل بمعنى المناوي، ﴿مُبِينٌ﴾ أي: بيِّن الغواية والضلالة لا شك

(١) النسفي.


الصفحة التالية
Icon