وقال ابن إسحاق: خرج موسى من مصر إلى مدين بغير زاد ولا مركوب، وبينهما مسيرة ثمانية أيام، ولم يكن له طعام إلا ورق الشجر ونبات الأرض، وما وصل إلى مدين حتى وقع خف قدميه.
فائدة: قوله: ﴿وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ...﴾ الآية. قاله هنا بتقديم ﴿رَجُلٌ﴾ على ﴿مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ﴾، وعكس في سورة يس حيث قال: ﴿وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ...﴾ الآية، قيل موافقة هنا لقوله قبل فوجد فيها رجلين يقتتلان، واهتمامًا ثَمَّ بتقديم ﴿مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ﴾، لما روي أن الرجل حزقيل، وقيل: حبيب، كان يعبد الله في جبل فلما سمع خبر الرسل سعى مستعجلًا. اهـ من "فتح الرحمن".
وحاصل معنى الآيات: ﴿وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (٢٠)﴾؛ أي: وجاء (١) رجل مؤمن من آل فرعون، يُخفي إيمانه عن فرعون وآله لأسباب، هو بها عليم، يُسرع للحاق بموسى، إشفاقًا وخوفًا عليه أن يصيبه مكروه من فرعون وآله، وقال: يا موسى إن الملك وبطانته وأشراف دولته يدبرون لك المكايد، وينصبون لك الحبائل، يريدون أن يقتلوك، فالبدار البدار، والهرب الهرب، قبل أن يقبضوا عليك، وينفذوا ما دبروه، ويقتلوك فأخرج من المدينة مسرعًا، وإني لك لناصح أمين.
فانتصح بنصحه، وتقبل قوله: ﴿فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا﴾؛ أي: فخرج من مدينة فرعون خائفًا، يترقب لحوق الطالبين، ويلتفت يمينًا وشمالًا، وينظر أيتبعه أحد أم لا؟ ثم لجأ إلى الله تعالى، علمًا منه أن لا ملجأ إلا إليه.
﴿قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾؛ أي: قال: رب نجني من هؤلاء الذين من دأبهم الظلم والعسف، ووضع الأمور في غير مواضعها، فيقتلون من لا يستحق القتل، ومن لا يُجرم إلى أحد، فاستجاب الله دعاءه، ووفقه إلى سلوك الطريق الأعظم نحو مدين.

(١) المراغي.


الصفحة التالية
Icon