السقي كدأب هؤلاء.
قال بعضهم: كيف استجاز موسى أن يكلم امرأتين أجنبيتين؟.
والجواب: كان آمنًا على نفسه معصومًا من الفتنة، فلأجل علمه بالعصمة كلمهما، كما يقال: كان للرسول - ﷺ - التزوج بامرأة من غير شهود، لأن الشهود لصيانة العقد عن التجاحد، وقد عُصم الرسول من أن يجحد نكاحًا، أو يُجحد نكاحه، دون غيره من أفراد أمته.
وقرأ شَبَمْرٌ (١): ﴿خِطبكما﴾ بكسر الخاء؛ أي: من زوجكما، ولم لا يسقي هو، وهذه القراءة نادرة، ﴿قَالَتَا﴾؛ أي: البنتان ﴿لَا نَسْقِي﴾، أي: لا نقدر أن نسقي أغنامنا ﴿حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ﴾؛ أي: حتى يصرف الرعاء مواشيهم عن الماء.
والمعنى (٢): عادتنا أن لا نسقي مواشينا حتى يصرف الرعاء مواشيهم بعد ريها، ويرجعوا، عجزًا عن مساجلتهم وحذرًا من مخالطة الرجال، فإذا انصرفوا سقينا من فضل مواشيهم، وحذف مفعول السقي والذود والإصدار، لما أن الغرض هو بيان تلك الأفعال أنفسها، إذ هي التي دعت موسى إلى ما صنع في حقهما من المعروف، فإنه عليه السلام إنما رحمهما لكونهما على الذياد والعجز والعفة، وكونهم على السقي غير مبالين بهما، وما رحمهما لكون مذودهما غنمًا ومستقيهم إبلًا مثلًا.
وقرأ ابن مصرف (٣): ﴿لَا نَسْقِي﴾ بضم النون، وقرأ أبو جعفر وشيبة والحسن وقتادة وأبو عمر وابن عامر: ﴿يُصْدِرَ﴾ بفتح الياء وضم الدال؛ أي: يصدرون بأغنامهم، وقرأ باقي السبعة والأعرج وطلحة والأعمش وابن أبي إسحاق وعيسى: بضم الياء وكسر الدال؛ أي: يصدرون أغنامهم.
وقرأ الجمهور (٤): ﴿الرِّعَاءُ﴾ بكسر الراء جمع تكسير، قال الزمخشري: وأما

(١) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.
(٣) البحر المحيط.
(٤) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon