مترقبة كغيرها من الآيات التسع، فإن زمان المجيء وقت ممتد يسع الجميع، فلهذا جمع الآيات مع أن الظاهرة منها ثنتان فقط، العصا واليد، وقيل: جمعها، لأن العصا في نفسها آيات عديدة، باعتبار أحوالها.
﴿قَالُوا﴾؛ أي: قال فرعون وقومه: ﴿مَا هَذَا﴾؛ أي: ما هذا الذي جئت به يا موسى ﴿إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرًى﴾؛ أي: سحر مختلق مكذوب، اختلقته من قبل نفسك، لم يُفعل قبل هذا مثله، وذلك لأن النفس خُلقت من أسفل عالم الملكوت متنكسة، والقلب خلق من وسط عالم الملكوت، متوجهًا إلى الله سبحانه، فما كذب الفؤاد ما رأى، وما صدقت النفس ما رأت، فيرى القلب إذا كان سليمًا من الأمراض والعلل الحق حقًا، والباطل باطلًا، والنفس ترى الحق باطلًا والباطل حقًا، ولهذا كان من دعائه - ﷺ -: "اللهم أرنا الحق حقًا، وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا، وارزقنا اجتنابه". وكان - ﷺ - مقصوده في ذلك سلامة القلب من الأمراض والعلل، وهلاك النفس، وقمع هواها، وكسر سلطانها، كذا في "التأويلات النجمية".
﴿وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا﴾ السحر الذي جئت به، أو بهذا الذي جئت به من دعوى النبوة والرسالة ﴿فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ﴾؛ أي: واقعًا في أيامهم وكائنًا، أو المعنى: ﴿وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا﴾ الذي تدعونا إليه من التوحيد، والذي تدَّعيه من الرسالة عن الله تعالى واقعًا ﴿فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ﴾ وقد كذبوا، فإنهم سمعوا ذلك على أيام يوسف عليه السلام.
٣٧ - ﴿وَقَالَ﴾ لهم ﴿مُوسَى﴾ عليه السلام، قرىء بالواو وبدونها، على كونها واقعة في جواب سؤال مقدر ﴿رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ﴾ يريد نفسه، فيعلم أني محق، وأنتم مبطلون، وإنما جاء بهذه العبارة لئلا يصرح لهم بما يريده، قبل أن يوضح لهم الحجة. والله أعلم.
﴿وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ﴾؛ أي: عاقبة دار الدنيا، وهي الجنة، لأنها خلقت ممرًا إلى الآخرة ومزرعة لها، والمقصود منها بالذات هو الثواب، وأما العقاب فمن نتائج أعمال العصاة وسيآتهم، فالعاقبة المطلقة الأصلية للدنيا هي


الصفحة التالية
Icon